التبايع إنما أعطاه إياه القضاء؛ أرأيت العبد الآبق، أيجوز لأحد أن يشتريه؟ فقد يجوز لصاحبه الذي باعه أن يقول لا أحب أن أحاصص الغرماء وأنا أطلب عبدي، فذلك له؛ فإن وجده، كان أحق به، وإن لم يجده، رجع فحاص الغرماء؛ لأنه إن تلف أو مات، فهو من الذي عليه الحق.
قال محمد بن رشد: أجاز مالك أولا لمن باع تمر حائطه رطبا بدين إلى أجل، أن يأخذه إذا استجد وصار تمرا ببعض الثمن؛ وكذلك لو أخذه بجميع الثمن، أو بأكثر منه، ومنع من ذلك كله آخرا إلا في التفليس، فإنه يجوز له أن يأخذه ويترك محاصة الغرماء؛ وقد روى أشهب أيضا عن مالك أنه لا يجوز له أن يأخذه في التفليس؛ فيتحصل له في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: جواز ذلك في التفليس وغير التفليس، وهو قوله أولا؛ لأنه إذا جاز ذلك في غير التفليس، فأحرى أن يجيزه في التفليس. والثاني: أن ذلك لا يجوز في التفليس ولا في غير التفليس، وهو الذي حكاه عنه ابن حبيب؛ لأنه إذا لم يجز ذلك في التفليس، فأحرى أن لا يجيزه في غير التفليس. والثالث: الفرق بين التفليس وغير التفليس، والقول بإجازة ذلك في التفليس وغير التفليس أظهر الأقوال؛ لأن الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما ليس بحرام لذاته، وإنما يمنع منه مخافة أن يكون قد عمل معه على أن يبيع منه طعاما بطعام إلى أجل، وحماية للذرائع، فإذا أخذ الثمر الذي باع منه بعينه بعد أن صار تمرا واستجد، وجب أن يجوز، إذ قد صح بيعه بالسلامة من فسخ الدين في الدين، ومن أن يعطي طعاما في طعام غيره إلى أجل. ووجه المنع من ذلك: أنا نمنعه منه حماية للذرائع؛ لأنا نتهمه أن يكون قد عمل معه على أن يأخذ منه في الرطب الذي أعطاه تمرا إلى