يجوز في البيع؛ لأنه أضيق من النكاح، إذ قد يجوز من الغرر في الصداق ما لا يجوز في ثمن البيع؛ وهو الذي يأتي على مذهبه في المدونة؛ لأن الظاهر من قوله فيها إنه لا يجوز - أن يسلم في طعام على أن يقتضي في بلد أخرى، إلا أن يضرب لذلك أجلا؛ خلاف قول أصبغ، وابن حبيب: أن ذلك جائز؛ لأن تسمية البلد كضرب الأجل؛ فعلى قولهما يجوز أن يشتري الرجل سلعة غائبة بدين إلى أجل على أن يكون الأجل من يوم تقبض السلعة.
وقد روى يحيى عنه في رسم يشتري الدور والمزارع من سماعه من كتاب النكاح - إجازة النكاح على ذلك، وهو على ما حكى عن مالك في المدونة في الذي تزوج امرأة بخمسين نقدا وخمسين تكون على ظهره، ولا يقاس البيع على النكاح في هذا، لما ذكرناه من أنه أضيق منه.
وأما قول أصبغ: إن السلعة إن كانت بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد حلول أجل الثمن، فلا يحل ولا يجوز، فإنه خلاف ظاهر ما في كتاب الغرر من المدونة لابن القاسم؛ لأن الظاهر من قوله فيها أن البيع جائز وإن كان حلول الدين قبل قبض السلعة، ما لم يشترط عليه أن ينقده عند حلوله؛ فإن اشترط ذلك عليه لم يجز باتفاق؛ لأنه النقد في الغالب، ولو اشترط عليه أن لا ينقده إلا بعد القبض، لوجب ألا يجوز أيضا على أصولهم؛ لأنه بيع وسلف.
وأما قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه: ولو كان أحدهما بعينه والآخر مضمونا، لم يكن بذلك بأس إذا كانت غيبة قريبة، ولم تكن بعيدة جدا، فيكون الكالئ بالكالئ؛ لأن ضمانه على البائع وهو غير مقبوض، فإنه خلاف لقوله في المدونة في موضعين:
أحدهما: أن شراء الغائب بالدين دين في دين لا يجوز إذا كان في الموضع البعيد الذي يكون فيه الضمان من البائع؛ لأنه قد نص في المدونة على أن الدين