بيع الجزاف فيما يتأتى فيه الوزن أو الكيل غرر، إلا أن السنة قد جوزته لمشقة مئونة الكيل أو العدد فيما في عده مئونة؛ وما جاز فيه المجهول، فمن شرط جوازه استواء المتبايعين في الجهل؛ لأنه متى علم أحدهما وجهل الآخر، كان الذي علم قد قصد إلى خديعة الذي جهل؛ إذ لم يعلمه من ذلك أن الجعل الذي يجوز فيه المجهول على طلب الأباق وحفر الآبار، لا يجوز في ذلك المجاعلة إذا كان أحدهما دون الآخر قد خبر الأرض أو عرف موضع العبد؛ ومن ذلك مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الرجل يدعي على الرجل حقا في دار، فيصالحه عليه ولا يسميه؛ فقال إن ذلك لا يجوز إلا أن يكونا لا يعرفان ذلك جميعا؛ فإذا أخرج صاحب الطعام من طعامه الذي يعرف كيله جزافا يسيرا أو كيلا يسيرا، ونسي حقيقته؛ فلا يجوز، أن يباع الباقي جزافا، إلا أن يعلمه بما علم من كيله، بقدر الذي ظن أنه أخرجه منه جزافا أو كيلا، حتى يستويا جميعا في المعرفة بقدره؛ فإن لم يفعل وكتمه ذلك لم يجز؛ لأنه وإن لم يعرف حقيقة كيله فهو عالم بقدره، والمبتاع جاهل بذلك؛ والحكم فيه إن وقع حكم الغش، لا حكم البيع الفاسد؛ لأن الفساد فيه إنما هو من أحد المتبايعين وهو البائع، فيكون المبتاع بالخيار بين أن يمسك بجميع الثمن أو يرد؛ فإن فات الطعام، كان عليه قيمة خرص مكيلته؛ إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به، فلا يزاد البائع على الثمن، وقد قال ابن حبيب إن سبيله سبيل العيوب، ومعناه في القيام؛ ولو علم البائع كيل الطعام فقال له المبتاع: أنا أشتريه منك جزافا وإن كنت قد علمت كيله، لكان البيع فاسدا يفسخ على كل حال في القيام، ويكون عليه خرص مكيلته بالغة ما بلغت في الفوات، لاتفاقهما جميعا على الفساد؛ ولو أراد المبتاع أن يصدق البائع في كيل الطعام ويرد مثله، لا نبغي ألا يجوز ذلك على