قال محمد بن رشد: اتقى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كثر ما نقص من الوزن، فتركه له أن يكون إنما فعل ذلك رجاء أن يوسع له في الثمن إذا حل الأجل، فيدخله ما نهي عنه من هدية المديان؛ واستخف ذلك سحنون وإن كان كثيرا، ولم يتهمه على القصد إلى ذلك؛ لأنه من ناحية ما يندب إليه المتبايعان من السماحة في البيع، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رحم الله عبدا سمحا إن باع، سمحا إن ابتاع، سمحا إن قضى، سمحا إن اقتضى» . فلا يقام من هذا أن سحنونا يجيز هدية المديان إذا كانت مبتدأة على غير هذا الوجه، بل لا تحل عنده، ولا عند أحد من أهل العلم لمن عليه دين أن يهدي لمن له عليه الدين، رجاء أن يؤخره بما له عليه من الدين، ولا يحل لمن له الدين أن يقبل منه الهدية، إن علم أن ذلك غرضه فيها، ولا حرج على من أهدى لصاحب دينه إذا صحت نيته في ذلك، وقد كان ابن شهاب يكون عليه الدين، فإذا جاءه غرماؤه أجازهم ولم يقضهم، لصحة نيته في ذلك، ويكره لمن يقتدي به أن يقبل ذلك منه؛ فقد رد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أبي بن كعب هديته من أجل ماله عنده؛ لئلا يقتدي به في ذلك، فيكون ذريعة إلى استجازة ذلك، والعمل به حتى يكثر؛ فيوقع في المحظور منه؛ هذا وجه رد عمر بن الخطاب عليه هديته؛ إذ ليس من أهل التهم؛ وقد قال ابن دحون: إنما أجاز سحنون أن يترك ما نقص من الوزن وإن كثر؛ لأن مذهبه قبول هدية المديان إذا كان الدين من بيع؛ فإن كان من قرض لم يجز عند الجميع، إلا أن يكون قد جرت به عادة من المهدي قبل الدين؛ وليس قوله بصحيح لما بيناه، وقد مضت هذه المسألة متكررة، والقول فيها في رسم حلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال.