لم يتبين الفضل بينهما، وهذا مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ وأما شراء التور المصنوع من النحاس بالفلوس أو النحاس، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الصنعة تخرجه إلى صنف آخر، وترفع المزابنة عنه، فيجوز ذلك يدا بيد، وإلى أجل، وهو قول مالك في إحدى روايتي ابن وهب عنه. والثاني: أن ذلك يجوز نقدا، وإن لم يتبين الفضل بينهما، ولا يجوز إلى أجل، وهو ظاهر قوله في المدونة؛ لأنه جعل ذلك فيها كالصوف بثوب الصوف، والكتان بثوب الكتان؛ فقال: لا بأس بذلك نقدا، ولا بأس بالتور النحاس بالنحاس نقدا؛ وإلى هذا رجع مالك في رواية ابن وهب عنه.
والثالث: أن ذلك لا يجوز نقدا، ولا إلى أجل، يريد إلا أن يتبين الفضل بينهما في النقد، وعلى هذا حمل أبو إسحاق التونسي ما في المدونة لابن القاسم، وهو قول مالك في هذه الرواية؛ لأنه لم يجز فيها أن يشتري التور بدرهمين ونصف، فيعطي في جميعها فلوسا؛ ولا في النصف درهم منها، وإذا لم يجز ذلك في النقد، فأحرى ألا يجيزه إلى أجل، وقد تأول بعض الناس من هذه الرواية، أن ذلك لا يجوز وإن تبين الفضل، إذ منع فيها أن يعطي في النصف فلوسا؛ ولا يشك أن التور أكثر نحاسا من الفلوس التي يعطي في النصف درهم، وليس ذلك بصحيح؛ لأن التور مفضوض على قيمة الدرهمين والنصف درهم من الفلوس، وإذا فض ذلك لم يدر أكان ما ينوب الفلوس منه أكثر أو أقل، فوجب ألا يجوز؛ ولو أخذ في جميع الدرهمين ونصف فلوسا لا يشك أنها أكثر من التور أو أقل؛ لكان ذلك جائزا، والاختلاف في هذه المسألة موجود أيضا في الصوف بثوب الصوف، والكتان بثوب الكتان، روى ذلك أشهب عن مالك أنه لا يجوز نقدا، ولا إلى أجل، أيهما عجل، وروى ذلك أيضا أصبغ عن ابن القاسم، ثم رجع إلى أنه يجوز إذا كان الثوب هو المعجل؛ وأما مصنوع بمصنوع من