قال محمد بن رشد: قول مالك إن العروس ليس له أن يتخلف عن الجمعة، ولا عن الصلاة في الجماعة هو الحق الذي لا وجه لسواه، إذ لا حق للزوجة عليه في منعه من شهود الجمعة والجماعة، ولا له بالمقام عندها عذر في التخلف عنهما، وإنما معنى قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للبكر سبع وللثيب ثلاث» أن يكون معها ويبيت عندها دون سائر أزواجه إن كانت له أزواج سواها، وليس عليه أن يلزم المقام عندها ليله ونهاره فلا يخرج إلى الصلاة ولا يتصرف فيما يحتاج إليه من حوائج دنياه، ولا لها ذلك عليه إن سألته إياه، وإنما الذي لها من الحق أن يقيم عندها المدة التي وقتها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها دون غيرها من نسائه.
قيل عليه وعلى سائر أزواجه، وقيل بل على سائر أزواجه لا عليه. وعلى هذا الاختلاف يختلف أيضا إن لم تكن له زوجة سواها، هل لها عليه حق في المقام معها والمبيت عندها المدة التي وقتها لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما جاء في الحديث أم لا؟ فعلى القول بأن ذلك حق لها عليه وعلى سائر أزواجه يكون ذلك لها، وعلى القول بأن ذلك حق لها على أزواجه لا عليه لا يكون ذلك لها، إذ الحق لها إنما هو على أزواجه إن كانت له أزواج لا عليه.
وقد قيل إن ذلك إنما هو حق له على سائر أزواجه لا حق لها، والأول أظهر. وظاهر ما حكى سحنون عن بعض الناس أن لها من الحق عليه أن لا يخرج إلى جمعة ولا إلى غيرها، وهي جهالة ظاهرة كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغلطة غير خافية. وقول مالك ما يعجبني للعروس ترك الصلاة كلها، معناه عندي ما يعجبني أن يخفف للعروس ترك الصلاة كلها في الجماعة مع الناس في المسجد، وإنما الذي يعجبني أن يخفف له ترك بعضها للاشتغال بزوجه والجري إلى تأنيسها واستمالتها، وهذا فيما عدا الجمعة التي شهودها عليه فرض، وبالله التوفيق.