طعاما، فاشتراه بدينار؛ ثم قال له املأه لي ثانية بدينار؛ قال: إن كان في موضع فيه مكيال فلا أحبه، وهو بمنزلة صبرة اشتراها بدينار فلا بأس به؛ فإن قال له أعطني الآن كيلها بدينار، لم يكن فيه خير؛ ولو وجد غرارة ملأى لم يكن بأسا أن يشتريها بدينار، ولو جاءه بغرارة فقال املأ لي هذه الغرارة بدينار، لم يكن فيه خير.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن شراء الطعام وغيره جزافا غرر، إلا أن الشرع أجازه توسعة ورخصة لمئونة الكيل فيما يكال في ذلك، والوزن فيما يوزن منه؛ فإنما يجوز شراء ذلك جزافا إذا لم يقصدا فيه إلى الغرر بأن يجده جزافا في وعاء أو في غير وعاء، فيشتريه كما وجده. فالفرق بين شراء الطعام يجده في المكتل والغرارة جزافا بدينار، وبين قوله املأ لي ذلك ثانية بدينار - أن الأول لم يقصد إلى الغرر إذا اشتراه كما وجده جزافا؛ والثاني قصد إلى الغرر إذ ترك أن يشتريه بمكيال معلوم، فاشتراه بمكيال مجهول، ولا يجوز الشراء بمكيال مجهول إلا في موضع ليس فيه مكيال معلوم على ما قاله في المدونة، ودل عليه قوله في هذه الرواية: إن كان في موضع فيه مكيال، يريد مكايل معروفة الكيل يكال بها، فلا أحبه؛ ولما كان لا يجوز أن يقول له ابتداء املأ لي هذه الغرارة بدينار، إذ لا يعلم مبلغ كيلها، لم يجز أن يقول له ذلك بعد أن اشتراها ملأى كما وجدها؛ إذ لا يعلم مبلغ كيلها فتقدم شراؤه إياها