له: قد أخذتها بخمسين فهو على الكيل لا بد منه، إلا أن يشتريه على التصديق له؛ قيل: فإن اشتراه على الكيل ثم أراد أن يصدقه فيأخذه بكيله، قال: لا بأس بذلك؛ قيل: فإن أراد بعد ذلك أن يرجع إلى الكيل وبدله، قال: ليس ذلك له.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن من حق المشتري أن يكيل له البائع ما اشترى منه من الطعام وإن كان قد حضر كيله؛ لأن الشراء فيما يكال على الكيل وإن لم يشترطه حتى يشتريه على التصديق تصريحا؛ قال عز وجل:{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ}[يوسف: ٨٨] .
فإن اشتراه على التصديق لم يكن له أن يرجع إلى الكيل إلا أن يرضى البائع؛ لأن الضمان قد سقط عن البائع فيه بتصديق المشتري إياه؛ فليس له أن يرده عليه، وكذلك إن اشتراه على الكيل، فليس له أن يرجع إلى التصديق إلا برضاه، وإن كان حاضرا كيله؛ لأنه يقول: أخشى خصومتك بأن تأخذه فتغيب عليه فتدعي النقصان فيه، وهو معنى قوله لا بأس بذلك، أي: ذلك جائز إذا رضي البائع، ولا اختلاف في أن من اشترى طعاما على الكيل، يجوز له أن يبيعه على التصديق إذا باعه بالنقد؛ واختلف إذا اشتراه على التصديق؛ فقيل: إنه لا يبيعه على الكيل ولا على التصديق حتى يكيله هو، أو يغيب عليه؛ من أجل أنه لو كاله قبل أن يغيب عليه فألفى فيه نقصانا، رجع في الثمن بحسابه؛ فكأن البيع لم يتم بينهما حتى يكتال أو يغيب عليه، حكى ذلك ابن حبيب من قول ابن كنانة عن مالك؛ ولو قيل له: لا يجوز له أن يبيعه قبل أن يكتاله وإن غاب عليه وحده؛ لأنه قد يدعي النقصان فيه فينكل البائع عن اليمين، فيحلف هو ويأخذ ما يقع له من الثمن، فكأن البيع لم يتم أيضا لكان قولا؛ وقيل: إنه لا يجوز أن يبيعه قبل أن يكيله أو يغيب عليه على التصديق وعلى الكيل، وهو قول ابن القاسم، وابن الماجشون، وأصبغ.