ادعى البائع أن الطعام هلك عنده، وكذبه المبتاع، وأراد أن يضمنه الكيل الذي باع منه، قال: عليه أن يوفيه الكيل الذي اشترى منه، إلا أن يعلم هلاكه بالبينة العادلة.
قال محمد بن رشد: قوله عليه أن يوفيه الكيل الذي اشترى منه، يريد ولا يكون له أن يصدقه فيما ادعى من هلاكه، فيأخذ منه الثمن؛ لأنه إذا كان مخيرا في أن يأخذه بمثل الكيل الذي ابتاع منه، أو يأخذ الثمن الذي دفع إليه، دخله بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ لأن أخذ الثمن منه إقالة، والإقالة لا تكون إلا ناجزة، ففسدت بما دخلها من الخيار؛ وهذا قاله من قول ابن القاسم في كتاب السلم الثالث من المدونة في الذي يشتري طعاما بعينه كيلا، فيتعدى عليه البائع فيستهلكه؛ أنه يضمن له مثله، ولا يكون له الخيار في أن يأخذ منه الثمن؛ لأن محمل المسألة أن الاستهلاك لم يعلم إلا بقوله، وقد قال أشهب: إنه في ذلك بالخيار؛ وهو نحو ما وقع في كتاب السلم الأول في بعض الروايات في الذي أسلم ثوبا في طعام، فتعدى رجل على الثوب في يد المسلم فأحرقه، ولم يعلم ذلك إلا بقوله؛ أن المسلم إليه بالخيار بين أن يغرمه قيمته ويكون السلم عليه على حاله، أو يفسخ السلم عن نفسه، ومثله في كتاب ابن المواز؛ فعلى هذا يكون المشتري بالخيار بين أن يصدقه فيما ادعى من هلاك الحمل، ويأخذ منه الثمن، أو يغرمه مثله.
وقد قيل: إن معنى ما تكلم عليه أشهب في مسألة كتاب السلم الثالث، إذا علم استهلاكه للطعام؛ وأما مسألة كتاب السلم الأول فلا وجه فيها للتأويل؛ لأنه قد خيره بين الأمرين، مع أنه قد نص على أنه لم يعلم ذلك إلا بقوله؛ إلا أن في هذا القول بعدا، لاحتمال أن يكون المسلم قد استهلك الثوب، فوجبت عليه قيمته للمسلم إليه فيكون قد أقاله على القيمة من السلم، فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى، فالصحيح فيها أن يغرمه القيمة ويثبت السلم، وبالله التوفيق.