قال محمد بن رشد: شراء الرجل من الرجل الدار، أو الأرض، لا يخلو من أربعة أوجه: أحدها: أن يكون المبتاع مقرا للبائع باليد والملك، والثاني: أن يقر له بالملك، ولا يقر له باليد؛ والثالث: أن يقر له باليد ولا يقر له بالملك؛ والرابع: لا يقر له بيد ولا بملك، فأما إذا كان مقرا له باليد والملك، فلا يلزمه أن يحوزه ما باع منه ويسلمه إليه وينزله فيه؛ وإن دفعه دافع عن النزول في ذلك، أو استحقه مستحق بعد النزول فيه، فهي مصيبة نزلت به على قول سحنون هذا.
والصواب أنه يلزمه أن ينزله فيما باع منه ويسلمه إليه، بمنزلة إذا كان مقرا له بالملك غير مقر له باليد، مخافة أن ينهض لينزل فيه فيمنعه وكيله فيه، أو أمينه عليه من النزول فيه، ويقول له: لا أدري صدق ما تدعيه من شرائه، فإن نزل فيه وصار بيده على الوجهين، فاستحقه منه مستحق؛ كانت مصيبة نزلت به على قول سحنون هذا.
وعلى ما في سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، خلاف قول أشهب في المجموعة، وقد قيل: إنه خلاف ما تقدم من سماع عبد الملك في كتاب الحوالة والكفالة من قول ابن وهب وأشهب، وليس ذلك عندي بصحيح على ما سنبينه في موضعه إن شاء الله تعالى، وأما إذا كان مقرا له باليد غير مقر له بالملك، فعلى مذهب سحنون لا يلزم البائع أن يحوزه ما باع منه.
والصواب أن ذلك يلزمه على ما ذكرناه، للعلة التي وصفناها؛ فإن استحق من يده شيء من ذلك، وجب له الرجوع بذلك على البائع، وأما إذا كان غير مقر له باليد ولا بالملك، فلا اختلاف في أنه يلزمه أن يحوزه ما باع منه وينزله فيه؛ مخافة أن ينهض لقبض ذلك والنزول فيه، فيمنعه منه مانع؛ فإن استحق من يده شيء من ذلك، وجب له الرجوع به على البائع أيضا، وضمان ما يطرأ على ذلك بعد عقد البيع وإن كان قبل القبض في الوجوه كلها من غصب أو غرق، أو هدم، أو حرق، وما أشبه ذلك من المبتاع؛ إلا على القول بأن السلعة المبيعة في ضمان البائع، وإن قبض الثمن وطال الأمر، ما لم يقبضها لها المبتاع أو يدعوه البائع إلى قبضها فيأبى، وهو قول أشهب.
وقد مضى في آخر سماع سحنون الاختلاف في ضمان المحبوسة بالثمن، للخروج من هذا الاختلاف يقول الموثقون في وثائقهم