أعداء بعضهم لبعض، ولا تجوز شهادة بعضهم على بعض، وسألت عنها سحنون، فقال لي مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: اختلف في جواز بيع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي، فقيل: ذلك جائز، حكى ذلك سحنون عن بعض أصحاب مالك، وهو ظاهر قول مالك في رواية ابن نافع عنه في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة؛ لأنه قال فيها عنه أن كبار أهل الكتاب لا يمنع النصارى من شرائهم فعم ولم يخص.
وقياس قوله أيضا في رواية ابن القاسم عنه من كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة والعتبية؛ لأنه أجاز بيع كبار المجوس الذين لا يجبرون على الإسلام من اليهود والنصارى، فإذا أجاز بيعهم منهم من أجل أنهم لا يجبرون على الإسلام وإن كان قد قيل: إنهم يجبرون عليه، فأحرى أن يجيز بيع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي؛ إذ لا اختلاف في أنهم لا يجبرون على الإسلام، إلا أن يفرق بين الموضعين لعلة العداوة، على ما ذهب إليه ابن وهب، وقد قيل: إن ذلك لا يجوز، وهو قول ابن وهب، وسحنون في هذه الرواية؛ قال ابن وهب فيها: لأنهم أعداء بعضهم لبعض، وإنما قال: إنهم أعداء بعضهم لبعض، لما دل عليه من قوله عز وجل:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}[البقرة: ١١٣] ... الآية.
وروي عن سحنون أنه قال: إنما لم يجز أن يباع اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي؛ لأن بعضهم يكره بعضا على دينه إذا ملكه، فبيعه منه إضرار به؛ فعلى تعليل ابن وهب، يجوز أن يباع المجوس الكبار من اليهود والنصارى على القول بأنهم لا يجبرون على الإسلام؛ لأن العداوة إنما هي بين اليهود والنصارى، للتنافس الذي بينهم من أجل أنهم أهل الكتاب، وقد دل على ذلك ما