كرما فخاف الوضيعة فأتى ليستوضعه فقال: بع وأنا أرضيك، قال: إن باع برأس المال أو بربح فلا شيء عليه، وإن باع بوضيعة كان عليه أن يرضيه، فإن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد أكثر منه يوم قال له ذلك. قال أصبغ: وسألت عنها ابن وهب، فقال: عليه رضاه بما يشبه ثمن تلك السلعة والوضيعة فيها، قال أصبغ: وقول ابن وهب هذا أحسن عندي، وهو أحب إلي إذا وضع فيها.
قال محمد بن رشد: قوله: بع وأنا أرضيك عدة " إلا أنها عدة " على سبب، وهو البيع، والعدة إذا كانت على سبب لزمت بحصول السبب في المشهور من الأقوال، وقد قيل: إنها لا تلزم بحال، وقيل: إنها تلزم على كل حال، وقيل: إنها تلزم إذا كانت على سبب وإن لم يحصل السبب، وقول أشهب إنه إن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد يريد مع يمينه، ومعناه إذا لم يسم شيئا يسيرا لا يشبه أن يكون إرضاء والدليل على أنه يحلف على مذهبه إذا قال: أردت كذا وكذا لما يشبه قوله إنه إن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر من ذلك، وجوابه هذا على كله في كثير من مسائله أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقربه على نفسه، واليمين في هذا يمين تهمة، إذ لا يمكن لمستوضع أن يدعي علم نيته فيحقق الدعوى عليه بخلاف ما ذكر أنه أراده، فيدخل فيها من الخلاف ما يدخل في يمين التهمة، وأما ابن وهب فأخذه بمقتضى ظاهر لفظه وألزمه إرضاءه إلا أن يقول: لا أرضى فيما يقول الناس فيه إنه إرضاء فلا يصدق أنه لم يرض ويؤخذ بما يقول الناس فيه إنه إرضاء، هذا معنى قوله. ولو حلف ليرضينه لم يبر إلا باجتماع الوجهين، وهما أن يضع عنه ما يرضى به وما يقول الناس فيه إنه إرضاء، وقد مضى ما يدل على هذا في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور في الحالف ليرضين غريمه من حقه، والحمد لله.