قلت: فوقع أتفسخه؟ قال لي: لا أفسخه، ولكن لو كان سبعين أو ثمانين لفسخته، قلت: وكذلك النكاح أيضا إذا وقع الصداق مؤجلا إلى عشرين سنة وما أشبهها لم تفسخه؟ قال لي: نعم، قلت: وتكره أن يقع به النكاح كما تكره أن يقع به البيع؟ قال: نعم، وقد قال لي في الثلاثين أيضا: إن وقع به النكاح جاز، وكذلك البيع عندي. قال أصبغ: ولا أرى بذلك بأسا ابتداء إلى الخمس عشرة والعشرين؛ لأن مالكا قد سئل عن العبد يؤاجره سيده الخمس عشرة سنة ونحو ذلك فقال: لا بأس بذلك وذلك جائز، والنكاح في ذلك أبين وآمن.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وجميع أصحابه فيما علمت اتفاقا مجملا في النكاح يقع بمهر مؤجل إلى أجل بعيد أنه لا يجوز ويفسخ إذا وقع، واختلف في حده على أربعة أقوال: أحدها أنه يفسخ فيما فوق العشرين، وهو قول ابن وهب، وقد كان ابن القاسم جامعه عليه ثم رجع عنه، والثاني أنه لا يفسخ إلا فيما فوق الأربعين، وإليه رجع ابن القاسم فيما كان جامع عليه ابن وهب على ما حكاه ابن حبيب، والثالث أنه لا يفسخ إلا في الخمسين والستين، والرابع أنه لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، واختلف في العشرين فما دونها على خمسة أقوال أيضا: أحدها أنه يكره في القليل والكثير منها، وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول مالك في المدونة، واعتل لكراهيته بالاتباع فقال: إنه ليس بنكاح من مضى، ومن الحجة له أن الله لم يذكر في ذلك الأجل كما ذكره في البيع فقال:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء: ٤] وقال في الإماء: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ٢٥] وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث للذي سأله أن يزوجه