قال محمد بن رشد: قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن صلى العشاء وحده ثم أوتر: إنه لا يعيد في جماعة صحيح على أصله فيمن أعاد صلاته في جماعة أنه لا يدري أيتهما صلاته على ما روي أن عبد الله بن عمر قال للذي سأله عن ذلك: أو أنت تجعلها؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء؛ لأنه إذا كانت صلاته هي الآخرة التي صلى في جماعة بطل وتره لحصوله في غير وقته.
وقد قيل إنهما جميعا له صلاتان فريضتان، وعلى هذا تأتي رواية علي بن زياد عن مالك في أن من أعاد صلاة المغرب في جماعة فذكر وهو يتشهد مع الإمام، أنه لا يشفعها برابعة وعليه أن يعيدها ثالثة، وهو الذي يدل عليه تعليل قوله للمنع عن إعادة صلاة المغرب في جماعة: إنه إذا أعادها كانت شفعا إلا إذا كانتا جميعا فريضتين له.
وأما إذا كانت فريضته هي الواحدة منهما والثانية نافلة فلا تكون شفعا. ووجه التعليل للمنع من إعادة صلاة المغرب في جماعة على أصله في أن الواحدة هي صلاته أن يقول: إنه لا يعيدها في جماعة؛ لأن النافلة لا تصلى ثلاثا، ويلزم قياس القول بأنهما له صلاتان فريضتان أن يجوز لمن صلى وحده أن يؤم قوما في تلك الصلاة، وهذا ما لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه.
وقد تأول ما روي أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يذهب فيؤم قومه في تلك الصلاة على هذا. وذهب أهل العراق إلى أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نُسخ، فلم يجيزوا لمن صلى وحده أن يعيد في جماعة إلا على أنها له نافلة، إذا كانت تجوز أن يصلي بعدها نافلة. وقد اختلف إذا صلى العشاء وأوتر ثم أعاد في جماعة هل يعيد الوتر أو لا؟ فقال سحنون: إنه يعيد الوتر، وقال يحيى بن عمر إنه لا يعيده.
وجه قول سحنون أنه لما احتمل أن تكون صلاته هي الآخرة وقد بطل وتره أمر أن يعيده احتياطا. ووجه قول يحيى بن عمر أنه لما احتمل أن تكون صلاته هي الأولى فلا يبطل وتره لم ير أن يعيده على الأصل في أنه لا تأثير للشك في اليقين، ولئلا يكون قد أوتر مرتين في ليلة واحدة، وقد جاء