الجمعة بقدر، قال الله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: ٤٩] ، وقال:{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق: ٣] . وقد كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدون إلى الجمعة هكذا، وأنا أكره هذا الغدو هكذا حتى إن المرء ليُعرف به، وأنا أخاف على هذا الذي يغدو للرواح أن يدخله شيء وأن يحب أن يعرف بذلك وأن يقال فيه، فأنا أكره هذا ولا أحبه، ولكن رواحا بقدر. وقد سمعت إنسانا يسأل ربيعة الأول يقول: لأن أُلْقَى في طريق المسجد أحب إلي من أن أُلْقَى في طريق السوق، فقيل لمالك: فما تقول أنت في هذا؟ قال: هذا ما لا يجد أحد منه بدا، قيل له: أفترى أن يروح قبل الزوال؟ قال: نعم في رأيي، قيل له: أيهجر بالرواح إلى الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: نعم في ذلك سعة.
قال الإمام: كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - الغدو بالرواح إلى الجمعة من أول النهار؛ لأنه لم يكن ذلك من العمل المعمول به على ما ذكره من أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا لا يغدون هكذا إلى الجمعة، فاستدل بذلك على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرد بالخمس ساعات في قوله:«من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» ، ساعات النهار المعلومة من أوله على ما ذهب إليه جماعة منهم الشافعي، وإنما عنى بذلك ساعة الرواح، وهي الساعة التي تتصل بزوال الشمس ووقت