ولا يضمنه ثمنين لأنه فرط. وذلك أن مالكا سئل عن رجل أبضع مع رجل في جارية بخمسين فاشتراها بستين دينارا ثم قدم فبعث بها إلى صاحبها ولم يعلمه بالزيادة، فأخذها صاحبها فوطئها فحملت منه أو لم تحمل. قال مالك: إن لم تحمل خير الآمر فإن أحب أن يدفع العشرة وتكون له الجارية فذلك له، وإن أحب أن يردها ردها وأخذ دنانيره، وإن حملت لم يكن للمبضع معه المأمور على الآمر شيء لأنه فرط. وكذلك هذه المسألة على قياس مالك. ولو أن المأمور فرط في دفع الذهب الشيء الكثير الذي يعرضه في مثله للتلف فأصيب في ذلك كان متعديا وكانت المصيبة منه ولم يكن له على الآمر قليل ولا كثير، وكانت السلعة لصاحبها؛ لأن مالكا سئل عن رجل دفع إليه مال ليدفعه إلى رجل فقدم فلم يدفعه إليه ثم زعم أنه هلك عند قدومه بما لم يكن له فيه تفريط فلا ضمان عليه، وإن كان حبسه عنده وأطال حبسه بما عرضه فيه للتلف فهو ضامن حين لم يدفعه إلى صاحبه، فكذلك مسألتك: فإذا فرط كانت المصيبة على المأمور حملت الجارية أو لم تحمل، وإذا لم يفرط خير الآمر إلا أن تفوت بحمل كما وصفت لك عن مالك في الجارية وقد فسرت لك ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على قياس قول مالك في المسائل التي ذكرها ابن القاسم، وقد بين ذلك وأوضحه بما لا مزيد عليه. وهو بين أيضا مذهب مالك في المدونة لأنه ذكر فيها أن الثمن إذا ضاع بعد الشراء من المأمور كان الآمر بالخيار بين أن يؤدي الثمن ويأخذ السلعة، وبين أن يتركها للمأمور؛ لأنه إنما أمره أن يشتري له بذلك المال بعينه. وسكت عن ذكر التفريط في المال حتى تلف وعن ذكر التفريط بإعلام الآمر بتلف المال حتى فاتت السلعة عنده بحمل إن كانت جارية، وبالله تعالى التوفيق.