لا يسمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك، فإنه لو كان لذكر؛ لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم، فهل سمعت أن أحدا منهم سجد؟ فهذا إجماع، إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه.
قال محمد بن رشد: نهى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سجود الشكر في هذه الرواية مثل ما له في " المدونة " من كراهة ذلك، والوجه في ذلك أنه لم يره مما شرع في الدين فرضا ولا نفلا، إذ لم يأمر بذلك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا فعله، ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله، والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه، واستدلاله على أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل، صحيح؛ إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ. وهذا أيضا من الأصول، وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» ؛لأنا أنزلنا ترك نقل أخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها، وكذلك ننزل ترك نقل السجود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيها، وقد أباح السجود فيها الشافعي ومحمد بن الحسن، واحتج لهما من نصر قولهما بما قص الله تعالى علينا من سجود داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله:{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[ص: ٢٤] وهذا لا دليل فيه؛ إذ ليست سجدة شكر، وإنما هي سجدة توبة، ولا يصح قياس سجدة الشكر على سجدة التوبة إلا بعد التسليم لإباحة سجدة التوبة، ونحن لا نسلم ذلك، بل نقول: إن شرعنا مخالف لشرع داود في إباحة السجدة