والله إذا باع الرجل أصل حائطه وثمره بلح جاز للمشتري أن يستثنيه، فإن لم يستثنه فإنه إنما جاء الآن يشتري بلحا في رؤوس النخل، لا يصلح هذا، وهذا بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، والنخل يباع وفي رؤوسها البلح فيكون للمشتري إذا استثناها، فإذا ذهب يشتريها بعد اشتراء الأصل فقد صار بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وسواء بعد ذلك أو قرب لا يصلح، والعبد بمنزلة ذلك في ماله قرب ذلك أو بعد.
قال محمد بن رشد: أجاز ذلك ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، ولم يفرق في ذلك بين قريب ولا بعيد، ومثل ذلك في الجوائح من المدونة في شراء الثمرة بعد الأصل، وفرق عيسى في ذلك بين القرب والبعد، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، فمن الناس من يحمل رواية أصبغ عن ابن القاسم وقول عيسى على الخلاف لرواية عيسي ويقول في المسألة ثلاثة أقوال: المنع، والجواز، والتفرقة بين القرب والبعد، ومنهم من يقول: إن قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه مفسر لقوله في رواية عيسى عنه، وإن الاختلاف إنما هو في القرب ولا اختلاف في البعد؛ لأن الأمر إذا طال فليس الذي اشترى هو الذي كان يجوز له أن يستثني، [وقد كنت أقول بذلك ثم بان لي أنه قول ثالث في المسألة؛ لأن كل قول منها له وجه من النظر قد ذكرته وبينته في أول رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع] ، وقد أجاز أشهب في قول شراء ثمر النخل ولم يجز شراء مال العبد، في الجواز من إلحاق مال العبد بالأوإلحاق ثمر النخل بالأصل أبين صل؛ لأن المشتري يضمنها بالعقد؛ لأنها في أصوله، والحادث فيها من النماء إنما حدث بعد أن صارت في ضمانه وفي أصوله، وإنما نهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لكونها في ضمان البائع وفي أصوله.
وقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أرأيت إذا منع الله الثمر ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه» ، دليل على هذا.