فأما إذا كان مضمونا في ذمته، فلا يجوز إلا بتعجيل الأجر أو الشروع في العمل؛ لأنه متى تأخرا جميعا كان الدين بالدين، فلا يجوز إلا تعجيل أحد الطرفين أو تعجيلهما جميعا، وأما إذا كان متعينا في عينه، فيجوز تعجيل الأجر وتأخيره، على أن يشرع في العمل، وإن لم يشرع في العمل إلى أجل لم يجز النقد إلا عند الشروع في العمل.
فإن وقعت الإجارة بتصريح على أن العمل في ذمة الأجير مضمونا عليه مثل أن يقول له: أستأجرك على خياطة هذا الثوب أو نسج هذا الغزل إجارة ثابتة في ذمتك، إن شئت عملته بيدك، وإن شئت استعملته غيرك، وما أشبه ذلك من صريح الألفاظ، أو متعينا في عينه مثل أن يقول له: أستأجرك على أن تخيط لي هذا الثوب، أو تنسج لي هذا الغزل بنفسك، وما أشبه ذلك من صريح الألفاظ؛ كان للمضمون حكم المضمون، وللمعين حكم المعين، على ما وصفناه.
وإن لم يقع على تصريح، وكان اللفظ الذي وقعت به ظاهره المضمون، مثل أن يقول له: أعطيك كذا وكذا على خياطة هذا الثوب، فلا اختلاف في أنه يحمل على المضمون، إلا أن يكون قد عرف منه أنه يعمله بيده، أو يكون إنما قصده بالعمل لرفقه وإحكامه. وأما إن لم يقع على تصريح، وكان اللفظ الذي وقعت به ظاهره التعيين، مثل أن يقول له: أستأجرك على خياطة هذا الثوب، أو على أن تخيطه، ولا يقول: أنت، ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه محمول على المضمون، إلا أن يعلم أنه يعمله بيده، أو يكون إنما قصد بالعمل لرفقه وإحكامه، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، وحكاه ابن حبيب في الواضحة، عن أصبغ، وقال: إنه مذهب مالك، وهو المشهور في المذهب على الذي يأتي على ما في النذور من المدونة، وعلى ما في سماع يحيى، من كتاب الأيمان بالطلاق، وعلى ما في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب، والثاني: أنه محمول على ظاهر اللفظ من التعيين، وهو الذي يأتي على ما في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب الأيمان بالطلاق.
وتنفسخ الإجارة في المعين بموت الأجير، ولا تنفسخ في المضمون بموته، ويكون العمل في ماله، أو ما بقي منه، واختلف هل ينفسخ في الوجهين جميعا بهلاك المتاع