شيء إلا على القول بأن الجعل الفاسد، إذا فات يرد فيه إلى إجارة مثله. وكذلك من استأجر رجلا على تبليغ كتاب، فسقط منه في الطريق يكون له من أجرته بحساب ما سار، ولو كان جعلا لم يكن له فيما سار شيء، ولو قال له: إن بلغته في يوم كذا وكذا، فلك كذا وكذا، فهذا إن بلغه في ذلك اليوم وجب له جعله، وإن قصر عنه لم يكن له شيء.
قال ابن حبيب: إلا أن يكون تقصيره عنه بالأمر القريب الذي لا ينقطع فيه انتفاع الجاعل بالتبليغ، فتكون له إجارة مثله. قاله ابن حبيب، وهو على أحد الأقوال في الذي يجعل للرجل في حفر بئر، فيحفر بعضها ثم يتركها، فيتم صاحبها حفرها بإجارة أو مجاعلة حسبما يأتي القول فيه في الرسم الذي بعد هذا. ولو وقع الجعل على هذا أي الإجارة، فنام في بعض الطريق، فذهبت الخادم لم يكن له شيء فيما مضى من الطريق؛ لأن له سببا في ذهابها، ولو ماتت في بعض الطريق لوجب له من جعله بحساب ما مضى منه؛ إذ لا سبب له في موتها، فمعنى قوله في المسألة: ويجعل له في ذلك جعلا؛ أي ويسمي له في ذلك أجرا؛ لأنها إجارة على ما ذكرناه. وقوله: إنه لا ضمان عليه في إباقها منه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الأجير لا يضمن ما تلف مما استؤجر عليه، إلا أن يضيع أو يفرط، وهو محمول على غير التفريط حتى يثبت عليه التفريط والتضييع، فإن لم يثبت ذلك عليه فالقول قوله مع يمينه أنه ما ضيع ولا فرط.
وأما قوله: إنه يكون له من أجره بحساب ما بلغ؛ ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن له الأجرة كلها ماتت أو أبقت، ويستعمله المستأجر في مثل ما بقي من الطريق، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا؛ والثاني: أن الإجارة تنفسخ ماتت أو أبقت، ويكون له من إجارته بقدر ما سار من الطريق، وهو قول ابن وهب في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا، وقول ابن القاسم وأصبغ في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، من كتاب الرواحل والدواب؛ لأنهما قالا فيها: إن الإجارة تنفسخ بتلف الشيء المستأجر على حمله، وإن لم يكن للأجير في تلفه