للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله فيه، فشق ذلك العامل، وليس هو عليه، فطلب من رب الأرض أن يشق له من الأرض بعد الصفا مثل الذي شق العامل.

قال محمد بن رشد: وإنما المحال ما تأول هو على ابن القاسم، من أنه حمل عليه قول مالك؛ إذ يبعد في القلوب أن يكون مالك أجاب على غير ما سئل عنه، وأن يكون ابن القاسم تأول ذلك عليه، إذ قد بين في السؤال أن المعاملة إنما وقعت بينهما على أن يشق رب الأرض ما وجد فيها من صفا، وأن العامل هو شقها، بدليل قوله: فلما فرغ قال: اعمل لي بدلها؛ إذ لو كان رب الأرض هو الذي شقها على ما اشترط على نفسه، لم يكن له في شقها شيء على أحد.

ووجه جواب مالك على السؤال، وتفسير ابن القاسم له بين، وذلك أن المعنى في المسألة أنها إجارة لا جعل، وأن معنى قوله شارط رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع: استأجر رجلا على عين يحفرها على خمسة آلاف ذراع، وشرط له على نفسه أنه ما وجد فيها من صفا شقه، ولم يبين في عقد الإجارة إن كان أراد أن يشق رب الأرض ما وجد في الأرض من صفا، وتكون للعامل أجرته كاملة، وإن كان أراد أن يشقها، ويحط عنه من الإجارة بحسابها من الخمسة آلاف ذراع، فكره مالك الإجارة ابتداء لما وقعت عليه من إبهام، ومراعاة لقول من يرى الإجارة فاسدة، وإن وقعت ببيان أن يحط عنه من الإجارة بقدر ما يقع الصفا الموجودة فيها إن وجدت من الخمسة آلاف ذراع من أجل الجهل بما انعقدت عليه الإجارة من عدد الأذرع؛ إذ لا يدري ما يجد فيها من الصفا التي لم تقع عليه الإجارة، فصار ذلك كشراء الصبرة جزافا على الكيل، وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يجيز ذلك، وكالذي يتكارى الكري على بز يسوقه له من بلد كذا على أنه إن وجده في الطريق رجع، وكان له من إجارته بحسابه ما سار من الطريق، وسحنون لا يجيز ذلك وإن لم ينقد، وقال لهما: لقد دخلتما في أمر لا خير فيه، وحملهما لما وقعت وفاتت بالعمل على أنهما أرادا أن يشق رب الأرض ما وجد فيها من صفا، ويحط عنه من الإجارة بحسابها، فأمضاها

<<  <  ج: ص:  >  >>