للرجل جعلا على أن يدل عليه من يشتري منه سلعة أو يبيعها منه أو يواجره نفسه، وبين أن يجعل له جعلا على أن يدله على امرأة يتزوجها من أجل أنه لا يلزمه أن يدل عليه من يشتري منه، ولا من يبيع منه، ولا من يواجره نفسه ولا شيئا من الأشياء، ويلزمه هو أن يدله على امرأة تصلح له؛ لأن معنى قوله: دلني على امرأة أتزوجها، أي أشر علي بامرأة تعلم أنها تصلح لي وانصح لي في ذلك، وهذا لو سأله إياه دون جعل للزمه أن يفعله؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدين النصيحة؛ قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأيمة المسلمين وعامتهم» ، ألا ترى أنه لو قال رجل لرجل: دلني على امرأة تصلح لي أتزوجها، فإني محتاج إلى النكاح، فقال له: أنا أعلمها، ولكن لا أعلمك بها، ولا أدلك عليها إلا أن تعطيني كذا وكذا لما حل ذلك له.
ولو قال له: دل علي امرأة أتزوجها، أو دل علي رجلا أزوجه ابنتي، ولك كذا وكذا، فدل عليه لكان له الجعل، فالأصل في هذا أن الجعل لا يجوز فيما يلزم الرجل أن يفعله، وإنما يجوز فيما لا يلزمه أن يفعله، مثل أن يقول: دلني على امرأة أتزوجها واسع لي في نكاحها على ما يأتي في رسم البراءة من سماع عيسى، وإنما قال سحنون وأصبغ: إن الجعل يلزم في قوله: دلني على امرأة أتزوجها، كما يلزم في قوله: دل على من يشتري مني جاريتي أو أواجره نفسي؛ لأنهما حملا قوله، والله أعلم، دلني على امرأة أتزوجها أنه أراد بذلك ابحث لي على امرأة تصلح لي، ودلني عليها، ولك كذا وكذا، فأوجبا له الجعل؛ إذ لا يلزم الرجل أن يبحث للرجل على من يصلح له من النساء فيدله عليها، ويلزمه إذا استرشده في أمر قد علمه أن يدله وينصح له ولا يكتمه. ولو قال له: دلني على من أبيع منه سلعتي، أو أواجره نفسي، ولك كذا وكذا لكان له الجعل، بخلاف قوله: دلني على امرأة أتزوجها، ففي هذا يفترق البيع من النكاح؛ إذ لا يلزم الرجل أن يدل الرجل على من يشتري منه سلعة إذا سأله ذلك، وإن كان عالما بمن يصلح له، ويمكن أن يشتريها منه، ويلزمه أن يدله على امرأة يتزوجها إذا سأله ذلك، وكان عالما بامرأة