قال محمد بن رشد: إنما كره مالك هذه الإجارة في هذه الرواية من أجل أنه لا يدري كيف يخرج اللبن، فكأنه استأجره بشيء لا يدري ما هو، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» ، وقال:«من استأجر أجيرا فليواجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» ، فلا يجوز للرجل أن يستأجر الرجل إلا بما يجوز بيعه، ولا يجوز على هذه الرواية بيع اللبن قبل أن يعمل، كما لا يجوز بيع الثوب قبل أن ينسج، ولا أن يستأجر على عملها بنصفها، كما أنه لا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على دباغ الجلود بنصفها، ولا على نسج الغزل بنصفه. وسواء قال له: اعمل هذا التراب لبنا يكون بيني وبينك، أو قال له: اعمل فيه لبنا، فما عملت فهو بيني وبينك؛ لأن الأول إجارة وهذا جعل، والجعل في المجاعلة لا يكون إلا معلوما، كما أن الأجرة في الإجارة لا تكون إلا معلومة، فإن وقع ذلك وفات بالعمل كانت اللبن لصاحب التراب، وكان عليه للعامل أجر مثله في عمله، وإن لم يعثر على ذلك حتى قبض الأجير نصفها، وفاتت في يديه بما يفوت به البيع الفاسد؛ لزمته قيمته يوم خروجها من العمل؛ لأنه حينئذ كان قابضا لنصفها، ويكون له أجر مثله في عملها كلها.
وكراهية مالك في هذه الرواية لهذه الإجارة خلاف أصل ابن القاسم في أن ما لا يعرف وجه خروجه، ويمكن إعادته للعمل بمنزلة ما يعرف وجه خروجه في أنه يجوز بيعه قبل أن يعمل على أن يعمله البائع، وفي أنه يجوز الاستئجار على عمله بالجزء منه، فقد أجاز في رسم أسلم، من سماع عيسى: أن يستأجر الرجل الرجلَ على بناء البقعة بنصفها؛ لأن البناء تمكن إعادته إن لم يخرج على الصفة، وذلك لا يجوز على قياس قول مالك في هذه الرواية، وعلى قياس قول مالك في هذه الرواية يأتي قول سحنون أن كل بيع وأجرة تكون الأجر فيه في نفس المبيع لا يجوز، وبالله التوفيق.