تضيفونا، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا، فجعلوا له قطيعا من الغنم، فجعل يتفل عليه، ويقرأ بأم الكتاب، فبرئ كأنما أنشط من عقال. فأقبل بالغنم يسوقها، فسأله أصحابه أن يقتسموها فأبى حتى يسأل عن ذلك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فسألوه فقال:«اقسموا، واضربوا لي معكم بسهم» . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي سأله أن يزوجه المرأة التي وهبت له نفسها:«قد أنكحتكها بما معك من القرآن» إذ لم يجد شيئا يصدقها إياه، على ما جاء في بعض الآثار من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فعلمها إياه» .
ومن جهة النظر أنه لما كان الجلوس لتعليمهم القرآن غير واجب على الرجل، ولا لازم له، جاز له أخذ الأجرة عليه، وإن كان فيه قربة؛ أصل ذلك الاستئجار على بناء المساجد، وما أشبه ذلك، وحديث عبادة الذي استدل به المخالف قال:«كنت أعلم ناسا من أهل الصفة القرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسا على أن أقبلها في سبيل الله، فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "إن أردت أن يطوقك الله به طوقا من نار فاقبلها» تأويله في مبتدأ الإسلام، وحين كان تعليم القرآن فرضا على الأعيان؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بلغوا عني ولو آية» ، وأما إذ قد حصل التبليغ، وفشا القرآن، وصار مثبتا في المصاحف، محفوظا في الصدور، فليست الأجرة على تعليمه أجرة على تبليغه، وإنما هو أجرة على الجلوس لتعليمه، والاشتغال بذلك عن منافعه. وقوله: إن ذلك كالأجرة على تعليم الصلاة، ليس بصحيح؛ لأن تعليم