جعل مثله، وإن لم يفلح فلا شيء له، فإن اختلاف قول مالك في جواز ذلك، واقع في آخر كتاب الجعل والإجارة من المدونة، وقد اختلف في ذلك أيضا قول ابن القاسم: روى يحيى عنه في أول رسم من سماع يحيى، من كتاب البضائع والوكالات إجازة ذلك، خلاف قوله في هذه الرواية، وفي سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات.
والأظهر إجازة ذلك؛ لأن الجعل على المجهول جائز، وإنما كرها ذلك في أحد قوليهما إذا كثر الجهل فيه استحسانا، وأما إذا قل وكان الشيء الذي يخاصم فيه شيئا معروف القدر، خفيف الخطب، وجه الشخوص فيه لا يكاد يختلف فهو جائز، كذلك قال ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات.
وقوله: فأنا أحب لمن استأجر رجلا على طلب حق له بالخصومة أن يقطع لذلك أجرة وزمانا ينتهي إليه قيامه بذلك الحق، صحيح على ما قال، لا بد في الإجارة على ذلك من ضرب الأجل، كالذي يستأجر الرجل على بيع الثوب، لا بد فيه من ضرب الأجل، فإذا بلغه استوجب أجرته ظفر أو لم يظفر، قاله مالك في كتاب ابن المواز، وهو صحيح على معنى ما في المدونة. قال ابن القاسم: ثم ليس له تركه حتى يستخرجه. وقال أصبغ: يجوز وإن لم يضرب أجلا إذا كان لذلك وقت قد عرفه الناس، كالإجارة على بيع السلعة، والأجل على كل حال أحسن.
وأما قوله: ولو كان الجعل في الخصومة حلالا لم يجز له أن يجعل جعله ما لا يملك ففيه نظر؛ لأنه إنما لم يجز للرجل أن يبيع ما لا يملك أو يستأجر به؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد باعه أو استأجر به على أن يتخلصه للمبتاع أو للأجير من ربه، وذلك غرر بين؛ إذ لا يدري بما يتخلصه به، ولعله لا يقدر على أن يتخلصه، فيرد إلى المبتاع ماله إن كان قد نقده، فيكون مرة بيعا ومرة سلفا؛ والجعل لا ينقد فيه، ولا يستحق إلا بتمام العمل.