لا يكون إذا لم يكن مطر إلا باجتماع الطين والظلمة، وهو مثل ما في " المدونة " خلاف ظاهر ما في رسم "أخذ يشرب خمرا"، من سماع ابن القاسم أنه يجمع في الطين والوحل وإن لم يكن مطر ولا ظلمة، وقوله:"إنهم لا يجمعون إذا كانوا لا ينصرفون حتى يقنتوا" صحيح؛ لأن الجمع إنما هو رخصة وتخفيف لمشقة الرجوع في الظلام بعد مغيب الشفق، وقوله: إنهم إن جمعوا ثم قنتوا كانوا من ذلك في سعة يقتضي أن لا إعادة عليهم للعشاء بعد مغيب الشفق. وقال ابن لبابة: إن هذا خلاف لقول عيسى وأصبغ والعتبي وابن مزين في الذي يخاف أن يغلب على عقله، فيجمع بين الصلاتين في أول الوقت أنه يعيد الآخرة منهما في وقتها إن لم يغلب عليه حتى دخل؛ لأن الجمع في هذه المسألة إنما رخص لهم فيه لعلة الافتراق، وهم لم يفترقوا حتى غاب الشفق، فكان يلزم على قول هؤلاء أن يعيدوا العشاء الآخرة؛ إذ قد ارتفعت العلة التي من أجلها أبيح لهم تعجيلها كالذي يخاف أن يغلب على عقله فيسلم مما خاف، وليس قوله عندي بصحيح، والفرق بين المسألتين أن الذي خشي أن يغلب على عقله فصلى قبل دخول الوقت المستحب يؤمر أن يعيد ليدرك ما نقصه من فضيلة الوقت المستحب، والذين جمعوا ثم قنتوا لا يؤمرون بالإعادة؛ لأنهم صلوا في جماعة، فمعهم فضل الجماعة مكان فضل الوقت المستحب، وهذا مثل قول مالك في المسافر يتم الصلاة: إنه يعيد في الوقت إن كان أتم وحده؛ ليدرك فضيلة القصر، ولا يعيد إن كان أتم في جماعة؛ لأن معه فضل الجماعة مكان ما فاته من فضل القصر؛ ولهذا قال مالك في " المدونة " في الرجل يصلي في بيته المغرب في الليلة المطيرة ثم يأتي المسجد والناس يجمعون وقد صلوا المغرب ولم يصلوا العشاء: إنه لا بأس أن يصلي معهم، وقد روي عن ابن القاسم أنه إن صلى معهم أعاد في الوقت وغيره، فقول ابن القاسم في هذه المسألة هو الذي يخالف قول مالك في الرواية لا قول عيسى ومن تابعه في المسألة التي حكى ابن لبابة. ووجه قول ابن القاسم أنه رأى فضيلة الوقت آكد من فضيلة الجماعة فأمره بالإعادة في الوقت