أن يقبض العبد ربه، على من ترى الجعل؟ قال: على الجاعل، وليس على المستحق شيء. قيل له: وكذلك إن استحق بحرية؟ قال: نعم. فقيل له: فإن استحق بحرية كانت من الأصل ألا يرجع به عليه، أو قال السائل على مستحقه من الأصل. قال: لا. قال أصبغ: ولا على أحد ويبطل.
قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز بإثر هذه المسألة: قال محمد: وأجوز ذلك عندي أن يكون الجعل على الجاعل ثابتا عليه يغرمه، ويكون على مستحقه جعل مثله يغرمه للجاعل، إلا أن يكون أكثر مما غرمه الجاعل، وقد ناظرت فيها من أرضى فقال لي مثله.
قال محمد بن المواز: وهو بين إن شاء الله؛ لأن كل آبق جاء به من تكلف طلبه لم يصل إليه حتى يدفع جعل مثله، ولا نفقة له في ذلك، وإن جاء به من لم يطلبه، فلا جعل له ولا نفقة. وقول ابن المواز: وإن جاء به من لم يطلبه، فلا جعل له، ولا نفقة خلاف ما في المدونة من أنه ليس له إلا نفقته. وقد بين محمد بن المواز وجه ما ذهب إليه من الرجوع على المستحق بجعل مثله، والأظهر ما روى أصبغ عن ابن القاسم أن الجعل على الجاعل؛ لأن المنفعة فيه له من أجل أن ضمان العبد منه، فلو لم يوجد لخسر الثمن الذي أدى فيه، وإذا وجده فأخذه صاحبه المستحق له، رجع على البائع الذي أدى فيه، والمستحق إن لم يجد العبد لا تكون مصيبته منه؛ لأن له أن يجيز البيع، فيأخذ الثمن من البائع.
وهذا الاختلاف إنما هو إذا أخذ المستحق العبد، وأما إن أجاز البيع، وأخذ الثمن، فالجعل على الجاعل قولا واحدا، وروى ابن أبي جعفر الدمياطي، عن ابن القاسم فيمن دفع إليه ثوب يبيعه، بجعل فباعه، ثم استحق أنه لا جعل له. وهذا بيّن على ما قال؛ لأن المستحق إذا أخذ ثوبه انتقض البيع، فوجب رد الجعل، وأما إن أجاز البيع، وأخذ الثمن، فينبغي أن يكون الجعل للمجعول له على الجاعل، ويرجع الجاعل به على المستحق، وقد مضى في رسم الفصاحة، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع من معنى هذه المسألة ما فيه بيان لهذه، وبالله التوفيق.