قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة صحيحة مبنية على أصولهم؛ لأن رب الأرض لما أكرى أرضه وهو يرى أن كمونه قد بطل وجب ألا يكون للمكتري أن يقلعه، إذ لم يغره، وإنما فعل ما يجوز له، كمن زرع في أرض اكتراها وهو يظن أنه يتم قبل انقضاء أمده، فانقضى الأمد قبل تمام الزرع.
لا يكون لرب الأرض أن يقلع زرعه، وإذا لم يكن له أن يقلعه وجب أن يحط عنه من الكراء بقدر ما أضر به الكمون في مقثاته، وإن أبطل الكمون المقثاة سقط عنه جميع الكراء؛ لأن بطلانها جاء من قبل الأرض بالكمون الذي عابها، ولم يكن من قبل رب الأرض، إذ لم يتعد فيما صنع، فأشبه نقصان الزرع في الأرض المكتراة، أو بطلانه من قبل القحط وقلة الماء.
ومن هذا المعنى مسألة وقعت في سماع عيسى من كتاب المزارعة في بعض الروايات؛ قال ابن القاسم: من أعطى رجلا أرضا له عارية فزرع فيها قطنا فأثمر في عامه، وجناه وبقيت أصوله فنما وأثمر في عام قابل فتنازعاه، فقال رب الأرض: إني لم أمنحك إلا العام الأول، وقال زارع القطن: هو لي ومن زريعتي.
قال: إن كان القطن في البلد يزرع كل عام كالزرع فحكمه حكم الزرع وهو لرب الأرض.
ثم قال بعد ذلك: إن القطن لمن غرسه. وعليه كراء ما شغل القطن من الأرض، إلا أن يكون الكراء أكثر من القطن، فلا يلزمه أكثر منه، وثبت على هذا، وقال: لأنه أصول، وقال بعد ذلك، في الزرع إذا لم ينبت في أول سنة ونبت في الثانية: إنه كالغاصب في حاله كله، إلا أن يكون الكراء أكثر من الزرع، فليس عليه أكثر من الزرع، قال: وإن كان القطن أصولا تنبت في الأرض السنين الكثيرة، كما ينبت في السواحل، فأراه لرب القطن، فإن أراد رب الأرض إخراجه ولم تقم له بينة أنه أعاره سنة واحدة، وحلف رب القطن على دعوى رب الأرض، فليعط رب الأرض لرب القطن قيمة الأصول، وذكر هذه المسألة من أولها ابن سحنون عن أبيه مثله.