لا يجزئ فيهما المسح؛ إذ لا مؤنة في نزع النعل ولا في غسل القدم، وفي المدونة دليل ضعيف على أن النعل بمنزلة الخف يجزئ فيه المسح من أرواث الدواب وأبوالها، بخلاف الدم والعذرة. وقد أعمله أبو إسحاق التونسي على ضعفه بحكم منه على مساواته بين النعل والخف. قال: إذ قد يحتاج الرجل أن يصلي في نعليه كما يحتاج أن يصلي بخفيه، وإن غسلهما كلما احتاج إلى الصلاة بهما أفسدهما الغسل. ولما قاله أبو إسحاق وجه إذا احتاج إلى الصلاة بهما لشدة حر الأرض أو بردها، وأما إذا لم يحتج إلى ذلك فما قاله ابن حبيب أظهر؛ إذ لا مؤنة في خلعهما. وقد جاء «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم: خلعتم نعالكم؟ فقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا» . وفي هذا دليل؛ إذ خلعهما ولم يكتف بمسحهما. والخفاف الذي عندنا والشمشكات تجري مجرى النعال. وأما القدم فقياسه على الخفين في جواز مسحه لمشقة غسله كلما أراد الصلاة أولى من قياسه على النعلين، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق فيه، وبالله التوفيق.
واختلف في وجه تفرقته بين أرواث الدواب وأبوالها وبين العذرة والدم وخرو الكلاب وما أشبه ذلك، فقيل: إنما فرق بين ذلك مراعاة للاختلاف في نجاسة أرواث الدواب وأبوالها، وقيل: إنما فرق بين ذلك؛ لأن الطرقات لا تنفك من أرواث الدواب وأبوالها غالبا، وهي تنفك مما سوى ذلك من النجاسات، والأول أظهر والله أعلم وبه التوفيق.