من أمر حميس ما كان وأرادوا الخروج إلى مكة، وتراجع الناس من الطريق جاءه الكري، فدعاه إلى الخروج فأبى أن يخرج معه، فذهب الرجل إلى السلطان، فقال له: اخرج مع كريك بعض المناهل أو دعه لي حتى تجتمعا، فخاف أن يقضي عليه السلطان فصالح الكري على أن يقيله ويؤخره بالكراء إلى الجذاذ، هل له أن يأخذ كراءه الآن؛ لأنه خاف من حميس وخاف أن يقضي عليه بذلك السلطان؟
فقال: ما أرى ذلك له، وأرى ذهبه إلى أجلها الذي أخذها إليه؛ لأنه لم يقض عليه سلطان، فجاء يخاصم في قضائه، إنما صالحه طائعا بذلك، فأرى ذلك له لازما، وهو رجل صالح صلحا فهو له لازم، وأنا أرى ذلك الكراء غير لازم لهما في مثل هذه الفتنة، أتقحمهم على الفتن؟ فلذلك رأيت ألا بأس عليه أن يؤخره دنانيره إلى الجذاذ، إنما له دنانيره يأخذها إلى الجذاذ فلا بأس به.
ولو كان الكراء عندي لازما لم يصلح أن يفسخ كراؤه في دنانيره إلى الجذاذ، ولكن إنما رأيت له دنانيره فأخذها إلى الجذاذ.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الحكم يوجب فسخ الكراء من أجل الفتنة الواقعة المانعة من الخروج، وأن يأخذ دنانيره التي نقده إياها معجلة، فتأخيره إياها معروف صنعه ليس له أن يرجع فيه، ولا عذر له فيما اعتذر به مما خاف من جور السلطان في أن يقضي عليه بالخروج، ولعله لا يفعل.
وإنما كان يكون له الرجوع في التأخير لو أخره بعد أن قضى عليه بالخروج، وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره.