ويدل على هذه ويبين صوابها قول مالك في الذي اكترى من مصر إلى مكة، فلما بلغا المدينة اختلفا، فقال الجمال: لم أكرك إلا إلى المدينة. وقال الراكب: بل إلى مكة، فانظر في قول مالك فيها فإنك تستدل به على هذا القول ويتبين لك صوابه إن شاء الله وبه التوفيق.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الدابة إذا ماتت فقال المكتري إنه اكترى كراء مضمونا صار مدعيا، على الكري ركوبا في ذمته والكري ينكره في ذلك، والأصل براءة الذمة، فوجب أن يكون القول قوله، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» . فإن قال المكري لما هلكت الدابة: أكريتك كراء مضمونا وهذه دابة أخرى فاركبها صار مدعيا على المكتري في أن يلزمه ركوب دابة ينكر أن يكون اكتراها، فوجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه. ألا ترى أنهما إذا اختلفا قبل الركوب فادعى أحدهما كراء مضمونا، وادعي الثاني كراء دابة بعينها، وجب أن يتحالفا ويتفاسخا؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه، كان المكري هو الذي ادعى المضمون والمكتري هو الذي ادعى المعين، أو الكري هو الذي ادعى المعين والمكتري هو الذي ادعى المضمون، فيحلف كل واحد منهما على تكذيب صاحبه. فإذا ماتت الدابة التي ادعى أحدهما أن الكراء وقع عليها بعينها حلف الذي ادعى منهما أن الكراء كان مضمونا؛ لأنه هو المدعي عليه وحده، كان الكري أو المكتري، ولم يجب على الذي ادعى منهما أن الكراء وقع على الدابة المعينة يمين إذ قد ماتت الدابة فانفسخ الكراء فيها بموتها، وهذا بين لا إشكال فيه وبالله التوفيق، لا رب غيره ولا خير إلا خيره.