كنانة وابن نافع في الحقوق اليسيرة خلاف ظاهر قول ابن حبيب، وقد كان يعمل فيما مضى كتاب القاضي بمعرفة الخط والختم دون بينة حتى حدث ما حدث من اتهام الناس فأحدثت الشهادة على كتاب القاضي، قال في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب الوصايا أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته. وفي البخاري أن أول من سأل البينة على كتاب القاضي ابن أبي ليلى، وسوار بن عبد الله العنبري. والأصل في هذا أن قول القاضي مقبول فيما أخبر أنه ثبت عنده أو قضى به، ينفذ ما أشهد به من ذلك على نفسه ما دام قاضيا لم يعزل، فإذا كتب بذلك إلى قاض غيره وجب على المكتوب إليه أن ينفذه ويصل نظره به إذا كتب إليه بذلك؛ لأنه في كتابه إليه به في معنى المخبر لا في معنى الشاهد، ولو خاصم الرجل عند القاضي فكلفه إثبات الشيء من الأشياء فأتاه بكتاب قاض أنه قد ثبت عنده ذلك الشيء، أو أنه قد قضى له به لم يجز ذلك؛ لأنه هاهنا شاهد، وشهادته لا تجوز فيما حكم به إلا أن يشهد على حكمه به عنده شاهدان سواه وذلك بين من قول ابن القاسم وأصبغ في رسم محض القضاء من سماع أصبغ بعد هذا، وهو معنى ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وابن وهب وأصبغ من أن القاضي لا يمكن المشهود له من أن يعدل شهوده عند قاضي بلد من البلدان، فيكتب إليه بعدالتهم، إلا أن يكتب هو إلى ذلك القاضي يسأله عنهم. وقد ذكر أيضا في أول ذلك الباب أن القاضي إذا كتب بعدالة شاهد من أهل عمله إلى القاضي الذي شهد عنده شاهد جاز، وإن كان المشهود له سأله ذلك فكتب له به ابتداء دون أن يكتب إليه القاضي الذي شهد عنده الشاهد يسأله عنه، وحكى ذلك أيضا عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ وهو بعيد. وإذا كتب إليه يسأله عن الشاهد الذي شهد عنده اكتفى في جوابه إليه بمعرفة الخط دون الشهادة على الكتاب، قاله ابن حبيب في الواضحة، ما لم يكن فيما سأله عنه فكتبه إليه فيه قضية قاطعة، والقياس لا يكتفي في شيء من ذلك