يكتب إلى الحاكم بالفتوى ويعلمه ما يصنع وإن لم يسأله الحاكم، وهذا في غير القضاة، وأما القضاة فلا ينبغي أن يكتب إليهم بما يفعلون إلا أن يسألوه؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى أنفة تؤذي، وفي كتابه إليه أن ينفذ ما أمضاه من قبله إن كان ما أمضاه بحق دليل على أنه أمران ينظر فيما أمضاه من قبله، فإن كان أمضاه بحق أنفذه، فحمل على هذا أحكام العمال على الرد حتى يتبين أنها كانت أمضيت بحق فتجاز. وهذا خلاف ما وقع من قوله في المدونة فيما قضت به ولاة المياه أن ذلك جائز، إلا أن يكون جورا بينا لأن ذلك من قوله يقتضي أن تكون أحكامهم على الإجازة فلا ينظر فيها ولا تتعقب وتجاز ما لم يتبين فيها الجور البين. وهذا الاختلاف إنما يصح في غير العدل من الولاة، فمرة رأى أحكامهم جائزة ما لم يتبين فيها الجور وهو مذهب أصبغ، وتارة رآها مردودة ما لم يتبين فيها الحق وهو اختيار ابن حبيب قياسا على الشهادة، وأما العدل منهم فلا اختلاف في أن أحكامهم محمولة على الجواز، وأنه لا يرد منها إلا ما يتبين فيه الجور، ويحتمل أن يحمل ما في المدونة على العدل، وما في هذه الرواية على غير العدل، فلا يكون في هذا اختلاف من قول مالك، وإن جهل حاله. فالذي أقول به أن ينظر إلى الأمير الذي ولاه، فإن كان عدلا فهو محمول على العدالة، وإن كان جائرا يولي غير العدول فهو محمول على غير العدالة، وإن كان غير عدل إلا أنه لا يعرف بالجور في أحكامه ولا بتوليته غير العدل جرى ذلك على الاختلاف في جواز أحكامه، واختلف الشيوخ عندنا في أحكام ولاة الكور مثل القواد، وتنازعوا في ذلك، فأمضاها أبو إبراهيم ولم يجزها اللؤلؤي حتى يجعل إليه مع القيادة والنظر في أمور الكورة النظر في الأحكام، واستحسن ابن أبي زمنين إذا كان للكورة قاض قد أفرد للنظر في الأحكام ألا يجوز حكم الولاة، وإن لم يكن لها قاض أن يجوز حكمهم لما في ذلك للناس من الرفق والانتصاف، وهو أحسن الأقوال وأولاها