يحلف عند المنبر وإن قاموا عليه جميعا فحلفوه يمينا واحدة، وهو ظاهر قول ابن المواز، والذي يوجبه النظر أن يحلف يمينا واحدة عند المنبر، قاموا عليه معا أو مفترقين على قياس ما قالوا في الرجل يدعي عليه ورثة الرجل أنه غاب لهم من تركة الميت على شيء أنه يحلف لجميعهم يمينا واحدة، وأنه إن قام أحدهم عليه فحلفه كانت اليمين لجميعهم، ولم يكن لمن بقي منهم أن يحلفه ثانية؛ لأن اليمين إذا كانت بأمر حكم فهو حكم ماض وفصل، وممن نص على ذلك ابن الهندي في وثائقه. وقوله: عند المنبر يريد منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأنه لا يرى الاستحلاف عند المنبر إلا في منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لقوله:«من حلف على منبري إثما تبوأ مقعده من النار» وأما في غير المدينة فإنما يحلف في المسجد الجامع عند المنبر، لحرمة موضعه من المسجد لا لحرمته في نفسه، إذ لو نقل عن موضعه إلى موضع سواه من المسجد أو غيره لم تنقل اليمين عن موضعها إلى حيث المنبر، بخلاف منبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، فاليمين في المدينة عند منبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث ما كان من المسجد، وليس هو عند محرابه؛ لأنه زيد في قبلته فبقي المنبر في موضعه، وفي غير المدينة من جوامع الأمصار عند المحراب، وفي مكة ما بين الركن والمقام. والشافعي لا يرى اليمين عند المنبر بالمدينة ولا بين الركن والمقام بمكة إلا في عشرين دينارا فصاعدا، وحجته ما روي أن عبد الرحمن بن عوف أبصر قوما يحلفون بين الركن والمقام، فقال: أعلى دم؟ قيل: لا، قال: أفعلى أمر عظيم؟ قيل: لا، قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام. وفي بعض الروايات أن يهات الناس بهذا المقام أي يأنس الناس به، يقال يهات به إذا أنست به. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا يجب