عن أبي اليسر الأنصاري، وأبي ذر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهما كانا يفعلان ذلك، وهو محمول منهما على الرغبة في فعل الخير، لا على أن ذلك واجب عليهما، إذ لم يقل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعموهم مثل ما تأكلون، واكسوهم مثل ما تلبسون، وإنما قال: مما تأكلون ومما تلبسون، فإن أطعمه وكساه بالمعروف من بعض ما يأكل من الخبز والإدام ويلبس من الصوف والقطن والكتان، فقد شاركه في مطعمه وملبسه، وامتثل بذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإن تفضل عليه في ذلك فلم يكن ملبسه مثل ملبسه، ومطعمه مثل مطعمه سواء. فعلى هذا تحمل الآثار ولا يكون بينها تعارض. وقد سئل مالك في سماع أشهب من كتاب الجامع أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه، ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها؟ قال: إي والله، إني لأراه من ذلك في سعة. فقيل له: أرأيت ما جاء من حديث أبي الدرداء؟ قال: كان الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت. ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف في مطعمه وملبسه، بخلاف ما يملكه من البهائم، فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك إجاعتها، ولا يقضى عليه بعلفها. وقد روي عن أبي يوسف أنه يقضى على الرجل بعلف دابته، كما يقضى عليه بنفقة عبده، لما جاء من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل حائط رجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رق له وذرفت عيناه فمسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدره وذفراه حتى سكن، ثم قال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك إياها؟ فإنه شكا إلي أنك