وقيل: إنه يرده إن كان الخلاف فيه شاذا. وذهب ابن الماجشون إلى أنه يرده وإن كان الخلاف فيه قويا مشهورا إذا كان ذلك خلاف سنة قائمة، واختلف في الحكم بترك الأمر وتجويزه، هل هو كالحكم في أنه لا يكون لمن بعده من الحكام أن يعرض فيه إلا أن يكون خطأ صراحا لم يختلف فيه أم لا؟ فذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه كالحكم، لا يكون لمن بعده من القضاة أن يرده إلا أن يكون خطأ بينا لم يختلف فيه. وقع ذلك في النكاح الأول منها، وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس كالحكم، ولمن بعده أن يرده، وإن كان قد اختلف فيه. وقد روي عن أشهب أن القاضي إذا قضى على الرجل بإقراره عنده بعد أن يستقضي فهو بمنزلة قضائه عليه بإقراره عنده قبل أن يستقضي في أنه حكم مفسوخ يرده هو ومن بعده من القضاة وهو بعيد، لا سيما ولم يفرق بين أن يكون إقراره عنده بعد أن استقضى في مجلس القضاء، أو في غير مجلس القضاء. وقال في هذه الرواية: إن القاضي يكون شاهدا عليه عند غيره بما أقر (به) . عنده على نفسه لخصمه، وفي ذلك اختلاف. ذكر محمد بن المواز في كتابه أن قول ابن القاسم اختلف في ذلك، فقال: لا يجوز، وقال: يجوز، والأول أحب إلينا لأنه كأنه يثبت حكم نفسه. وأما شهادته عليه بإقراره عنده في غير المخاصمة فلم يختلف في إجازتها.
قال القاضي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يريد أن قول ابن القاسم لم يختلف في إجازتها. وقد اختلف قول مالك في ذلك، روى عنه ابن الماجشون أن الرجل لا يشهد على الرجل بما سمح من إقراره على نفسه وإن استوعبه إلا أن يشهده على نفسه، وإلى هذا الاختلاف أشار في المدونة بقوله: وأما قول مالك الأول. فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها لا يشهد بما أقر به عنده في المخاصمة ولا في غير المخاصمة.