قال القاضي: هذا كما قال إن القاضي المعلوم بالجور في أحكامه تنقض أحكامه كلها، ويؤمر الخصمان باستئناف الخصام، وإن كانت مستقيمة في ظاهرها، إلا أن يثبت في شيء منها أنها كانت صحيحة مستقيمة في الباطن حسبما هي عليه في الظاهر، وإن القاضي العدل الذي لا يتهم بتعمد الجور إلا أنه جاهل، يحكم برأيه دون مشورة أهل العلم تتصفح أحكامه، فما كان منها صوابا في ظاهرها، أو خطأ قد اختلف فيه أنفذت، وما كان منها خطأ لم يختلف فيه نقضت، وذلك أن القضاة ثلاثة: قاض لا تتصفح أحكامه ولا ينظر فيها إلا على وجه التجويز لها إن احتيج إلى النظر إليها لعارض يعرض من وجه خصومة أو اختلاف في حد لا على وجه الكشف عنها والتعقب لها إن سأل ذلك المحكوم عليه فتنفذ كلها، إلا أن يظهر في شيء منها عند النظر إليها على الوجه الجائز أنه خطأ ظاهر لم يختلف فيه، فيرد ذلك من حكمه، وهو القاضي العدل العالم. وقاض لا تتصفح أحكامه، وترد كلها، وإن كانت مستقيمة في ظاهرها إلا أن يثبت صحة باطنها، وهو القاضي الجائر. وقاض تتصفح أحكامه كلها فما كان منها صوابا أو خطأ فيه اختلاف نفذت، وما كان منها خطأ لا اختلاف فيه ردت، وهو القاضي العدل الجاهل، ويختلف في أحكام القضاة الذين لا ترضى أحوالهم ولا تجوز شهادتهم إذا لم يعلموا بالجور في أحكامهم، وفي أحكام أهل البدع والأهواء، فحكم لها ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون بحكم القاضي الجائر في أنها تفسخ كلها، ولا يمضي منها إلا ما علم صحة باطنه بالبينة العدلة، وحكم لها أصبغ بحكم القاضي العدل الجاهل في أنها تتصفح فينفذ منها ما كان صحيحا في الظاهر. وحكى الفضل عن ابن الماجشون أن القاضي الجائر تتصفح أحكامه كالقاضي الجاهل، وهو شذوذ وبالله التوفيق.