قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن يمينه كانت بطلاق امرأته ليجلدنها خمسين سوطا، فألزمه الطلاق الذي حلف به، ولم يمكنه من البر بضربها خمسين سوطا، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة أن من حلف بطلاق امرأته ليضربنها أكثر من عشرة أسواط مثل الثلاثين أو نحوها أن السلطان يطلقها عليه إذا كان ذلك لغير شيء تستوجبه، وإن لم يرفع ذلك إليه حتى فعل بر، وعوقب بالزجر والسجن، ولم تطلق عليه إلا أن يكون بها من الضرر آثار كثيرة مشتهر بمثلها من الحرائر، فتطلق عليه للضرر إذا تبين ذلك وتفاحش، ولو حلف بطلاقها ليضربنها العشرة الأسواط ونحوها يريد ويصدق في أنها قد صنعت ما تستوجب به ذلك الأدب، لا أنه يكون له ذلك دون سبب، وكذلك من حلف بحرية عبد ليضربنه ضربا يسيرا دون شيء أذنبه، لم يمكن من ذلك، وقد قال ابن أبي زيد: إنه يمكن من ذلك، وهو بعيد، فلا يصح أن يقال ذلك في الحرة، والله أعلم.
وقول: أجعلها به معناه، أجعل به الطلاق الذي حلف به وألزمه إياه، وكذلك لو كانت يمينه بطلاق امرأة له أخرى، أو بعتق عبده أو ما أشبه ذلك، مما يقضى به عليه، لجعل السلطان ذلك به وحنثه، ولم يمكنه من البر بضرب خمسين سوطا، إلا أن يثبت عليها أنها فعلت ما تستوجب به ذلك، ولو كانت يمينه على ذلك بالله، أو بصيام، أو بمشي، أو صدقة، أو ما أشبه ذلك، مما لا يقضى به عليه إذا حنث فأبت المرأة من المقام معه، مخافة أن يضربها ليسقط عن نفسه بضربها ما حلف به من الصيام أو المشي أو الصدقة أو الكفارة؛ لوجب أن يكون ذلك لها من أجل أنه لا يؤمن على غيبها، وأن يطلقها عليه السلطان طلقة بائنة كالخلع، وقد وقع في بعض الكتب ولأمرته أن يطلقها، ولا آمره أن يجلدها أخلعها به، وهو يتأول على هذا؛ إذ لم يذكر في المسألة يمينه ما هي، وبالله التوفيق.