للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن أن يبيع حاضر لباد، إنما هو إرادة نفع أهل الحاضرة ليصيبوا من أهل البادية بجهلهم بالأسعار، وقد جاء هذا مفسرا في بعض الآثار أنه قال: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض» . فإذا كان المعنى في أنه لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي، إنما هو ليصيب أهل الحاضرة غرة أهل البادية لجهلهم بالأسواق، وجب أن لا يجوز أن يخبروا بالأسعار لما في ذلك من الضرر بأهل الحاضرة في قطع المرفق الذي جعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم في الإصابة منهم؛ لأنهم إذا لم يعلموا السعر لعلهم أن يرضوا بالبيع بأقل من القيمة، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه في مذهب مالك، وذهب الأوزاعي إلى أنه لا بأس أن يخبره بالسعر، وإن لم يجز أن يبيع له، وأما أبو حنيفة وأصحابه فذهبوا إلى إجازة بيع الحاضر للبادي، وقالوا: قد عارض النهي عن ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدين النصيحة لكل مسلم» وهذا لا يلزم؛ لأن الخاص يقضي على العام، فقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبع حاضر لباد» يخصص عموم قوله: «الدين النصيحة» ، ويبينه ولا يعارضه، وأجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يشتري له؛ لأن النهي إنما ورد في البيع له، فلم يقس عليه الشراء، ومنع من ذلك ابن الماجشون قياسا على البيع، وإياه اختار ابن حبيب قال: لأن العرب تقول بعت في معنى اشتريت.

قال طرفة:

ويأتيك بالأنباء من لم تبع له لتاتا

يعني من لم تشتر له زادا.

وقال الحطيئة:

وبعت لذبيان العلاء بمالك

يقول اشتريت الشرف لقومك بمالك، قال مع أنه قد روي أيضا: «لا يشتر حاضر لباد» ، وقول مالك أولى؛ لأن الصحيح في الحديث «لا يبع حاضر

<<  <  ج: ص:  >  >>