أترى أن يرده؟ قال: نعم، أرى أن يرده، وليس عن هذا سألني صاحب السوق، إنما سألني أنه أراد أن يحرق المغشوش بالنار لما فيه من الغش، فنهيته عن ذلك.
وسئل مالك عما يغش من اللبن، أترى أن يراق؟ قال: لا، ولكن أرى أن يتصدق به على المساكين من غير ثمن إذا كان هو الذي غشه. قيل له: فالزعفران أو المسك أتراه مثله؟ قال: ما أشبهه بذلك إذا كان هو الذي غشه، فأراه مثل اللبن. وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال: أما الشيء الخفيف من ذلك فلا أرى به بأسا، وأما إذا كثر ثمنه فلا أرى ذلك، وأرى على صاحبه العقوبة؛ لأنه يذهب في ذلك أموال عظام.
قال محمد بن رشد: لم ير مالك أن يحرق الزعفران المغشوش، ولا أن يراق اللبن المغشوش بالماء على الذي غشه، قال في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب: وأرى أن يضرب من أنهب أو انتهب، وأرى أن يتصدق بذلك على المساكين أدبا له، وسواء على مذهبه كان ذلك يسيرا أو كثيرا؛ لأنه ساوى في ذلك بين الزعفران واللبن والمسك، والمسك قليله كثير، وخالفه ابن القاسم، فلم ير أن يتصدق من ذلك إلا بما كان يسيرا، وذلك إذا كان هو الذي غشه، وأما من وجد عنده من ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو، وإنما اشتراه أو وهب له أو ورثه، فلا اختلاف في أنه لا يتصدق بشيء من ذلك، والواجب أن يباع ممن يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسا بذلك، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك والزعفران على الذي غشه، يباع ممن يؤمن أن يغش به ويتصدق بالثمن أدبا للغاش الذي غشه.
وقول ابن القاسم في أنه لا يتصدق من ذلك على الغاش إلا بالشيء اليسير أحسن من قول مالك؛ لأن الصدقة بذلك من العقوبات في الأموال،