قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إنه لا يمنع النصارى ولا اليهود من الوصايا في أموالهم، وإن أحاطت بجميع أموالهم، معناه إذا كان لهم ورثة من أهل دينهم، وهو صحيح؛ إذ لا اختلاف في أن ميراثهم لورثتهم من أهل دينهم، فلا ضرر على المسلمين فيما يوصون به من أموالهم، وسواء كانوا من أهل الصلح أو من أهل العنوة على مذهب ابن القاسم، فهو نص قوله في سماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، ومن كتاب الاستلحاق أنهم في مواريثهم، وأهل الصلح سواء، وهو على قياس رواية عيسى عنه في كتاب التجارة إلى أرض الحرب أن لهم حكم الأحرار في دية من قتل منهم، وفي تزويج نسائهم والنظر إلى شعورهن، ويأتي على قياس ما في سماع سحنون من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، من أنهم في حكم العبيد المأذون لهم في التجارة أن يكون ميراثهم للمسلمين، وإن كان لهم ورثة من أهل دينهم، وألا يجوز لهم وصية بثلث ولا غيره، وهو ظاهر قول سحنون؛ لأنه لم يقصد إلى التكلم على الوصية بجميع المال، فيكون في قوله دليل على إجازة الوصية بالثلث، وقد يتأول قوله على أنه لا وارث لهم من أهل دينهم، فلا يكون قوله خلافا لقول ابن القاسم.
وقوله: وإن تحاكموا إلى المسلمين، ورضي الخصمان وقساوستهم حكم بينهم بحكم الإسلام، ولم تجز وصاياهم إلا في الثلث، معناه إن شاء أن يحكم بينهم؛ إذ لا يلزمه ذلك على مذهب مالك؛ لقول الله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢] وإنما يخالف في هذا بعض أهل العراق، وقد مضى هذا في نوازل سحنون من كتاب الأقضية، ومضى تحصيل القول فيه في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وشرط ابن القاسم رضا قساوستهم مع رضاهم يحمل على التفسير لما في المدونة، خلاف قول سحنون في نوازله من كتاب الأقضية: إنه لا يلتفت في ذلك إلى رضا أساقفتهم إذا رضوا هم بأن يحكم