وينبغي للإمام أن يمنع منه ويضرب عليه، فإن فعل كان للمشتري أن يرد وإن بين أنه مخلوط جيد برديء، إلا أن يبين مقدار الرديء الذي خلطه بالجيد وصفتهما جميعا قبل الخلط حتى يستوي علمهما فيه، فلا يكون للمشتري حينئذ أن يرد، ويكون هو قد باء بالإثم في خلطه، إذ قد يغش به غيره؛ لأنه مما يمكن الغش به، وإنما يجوز له أن يبيعه على هذا البيان التام ممن يعلم أنه لا يغش به، أو ممن لا يدري ما يصنع به، ويكره له أن يبيعه ممن يخشى أن يغش به، ولا يجوز له أن يبيعه ممن يعلم أنه يغش به على ما مضى القول فيه في رسم الرهون.
وهذا في الصنف الذي يختلط ولا يمتاز بعد الخلط جيده من رديئه كالزيت والسمن والعسل وشبه ذلك، وأما الصنفان اللذان يمتازان بعد الخلط إلا أنه لا يعلم مقدار كل واحد منهما من صاحبه كالقمح والشعير، أو السمن والعسل أو الغلث والطعام وما أشبه ذلك فإن كان أحد الصنفين منهما يسيرا جدا تبعا لصاحبه جاز أن يبيع ولا يبين؛ لأن المشتري يراه ويعرفه، وإن لم يكن أحدهما يسيرا ولا تبعا لصاحبه، فلا يخلو من أن يكون يمكن تمييزه أو لا يمكن تمييزه، فإن كان مما يمكن تمييزه كالغلث مع الطعام، واللحم السمين مع المهزول وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن يباع الكثير من ذلك على ما هو عليه حتى يميز أحدهما عن صاحبه، ويجوز أن يباع القليل منه على ما هو عليه على ما قاله في المسألة التي قبل هذه في اللحم السمين والمهزول، وإن كان مما لا يمكن تمييز أحدهما من صاحبه كالسمن من العسل، والقمح من الشعير، والماء من اللبن، وما أشبه (ذلك) ممن يأكله ويؤمن أن يغش به.
قاله ابن حبيب في الواضحة في اللبن والعسل المغشوش بالماء، وقيل: إن ذلك لا يجوز، وهو قول مالك في الواضحة.
وكتاب ابن المواز: أن من خلط قمحا بشعير لقوته فيكره له أن يبيع ما فضل له منه، يريد إلا أن يبين مقدار الشعير فيه من القمح، وقيل: إن كان خلطه للبيع لم يجز أن يبيعه، وإن كان خلطه للأكل جاز له أن يبيعه، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن