له جائزة، فقيل له: إنه في معدن، فقال: أين أهل ذلك المعدن؟ فقال: انتقلوا وانقطع نيله وسكنه الأعراب، قال: إذا كان ذلك المعدن بهذه الحال فشهادتهم جائزة.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن أهل البادية لا تجوز شهادتهم فيما يقصد إلى إشهادهم عليه دون أهل الحاضرة فيما يقع في الحاضرة من المبايعات والمناكحات والهبات والأكرية والإجارات والوصايا والعتق والتدبير وما أشبه ذلك؛ لأن القصد إلى إشهادهم دون أهل الحاضرة ريبة، فلا شهادة للبدوي في الحضر على حضري ولا على بدوي لحضري إلا في الجراح والقتل والزنا والشرب والضرب والشتم، وما أشبه ذلك مما لا يقصد إلى الإشهاد عليه، وتجوز شهادتهم فيما يقع في البادية من ذلك كله على الحضري، والبدوي للحضري والبدوي إذا كانوا عدولا لا ريبة في القصد إلى شهادتهم في البادية.
هذا تحصيل القول في هذه المسألة على معنى هذه الرواية مما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك وعن مالك أيضا، فعلى هذا الأصل لو حضر أهل البادية شيئا مما يقع في الحاضرة بين أهلها وغيرهم من المعاملات وغيرها دون أن يحضروا لذلك أو يقصد إلى إشهادهم فشهدوا بما حضروه لجازت شهادتهم إذا كانوا عدولا، وقد وقع في المبسوطة من رواية ابن القاسم عن مالك، وقول ابن وهب من رأيه خلاف هذا، أنه لا تجوز شهادة البدوي على الحضري لما في ذلك من الظنة والتهمة، يريد والله أعلم إذا شهد على حضري لبدوي مثله في شيء من الأشياء كان في الحاضرة أو البادية.
قال ابن وهب فيها: وقد اختلف في شهادة الحضري على البدوي، فرأى قوم أنها لا تجوز، وأنا أرى أنها جائزة، إلا أن يدخلها ما دخل شهادة البدوي على الحضري من الظنة فلا