قال محمد بن رشد: ما بلغ ابن القاسم عن مالك من تفرقته إذا كان الدين للشاهد على المشهود له بين أن يكون المشهود له مليا أو معدما مفسر لما سمعه منه من إجازته شهادته له مجملا، إذ لا يصح أن يختلف في أن شهادته له لا تجوز إذا كان معدما؛ لأن شهادته إنما هي لنفسه، وهذا إذا كان الدين حالا أو كان حلوله قريبا، وأما إن كان حلوله بعيدا فشهادته له جائزة كما تجوز إذا كان مليا، وشهادته له جائزة، فيما عدا الأموال، قال ذلك بعض أهل النظر وهو صحيح.
وأما إن كان الدين للمشهود له على الشاهد فأجاز أشهب في سماع زونان شهادته له مليا كان أو معدما، خلاف قول ابن القاسم هاهنا: إن شهادته لا تجوز إذا كان معدما، يريد: والدين حال أو قريب الحلول؛ لأنه يتهم أن يكون إنما شهد له ليوسع عليه في الدين ويؤخره به، وسواء كانت شهادته له بمال أو بغير مال، ولم ير أشهب هذه تهمة ترد بها شهادة الشاهد العدل، وأما إن كان الدين للشاهد على المشهود عليه، أو للمشهود عليه على الشاهد، أو للمشهود له على المشهود عليه، أو للمشهود عليه على المشهود له، فلا يقدح شيء من ذلك في الشهادة.
واختلف في المال القراض يكون بيد المشهود له للشاهد، أو بيد الشاهد للمشهود له - على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن شهادة كل واحد منها لصاحبه جائزة، مليا كان العامل بالمال أو معدما، وهو ظاهر قول أشهب وقول ابن القاسم في سماع أصبغ عنه.
والثاني: أنه إن كان العامل بالمال مليا جازت شهادته لرب المال، وشهادة رب المال له، وإن كان معدما لم تجز شهادة واحد منهما لصاحبه، وهو الذي يأتي على قول ابن وهب.
والثالث: أن شهادة كل واحد منهما لا تجوز لصاحبه إن كانت قبل أن يحرك العامل المال وينشبه في سلع، ويجوز له إن كان قد حركه وشغله في سلع؛ لأن المال إن كان ناضا في يد العامل اتهم في شهادته لرب المال أن يقر المال بيده ولا يأخذه منه، واتهم رب المال في شهادته له أن يعمل