إلا أن يعذر بجهل، وإنما لم يجز ابن القاسم شهادة من يكري حانوته ممن يبيع فيها خمرا؛ لأن فعل ذلك عون على ما لا يحل من بيع الخمر التي لعن الله عز وجل على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من استباحه فقال:«لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وساقيها وآكل ثمنها» فالعون على ما لا يحل لا يحل، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢] . لا أنه رأى الكراء عليه حراما كثمن الخمر، وذلك بين من قوله: لأن الذي يلي الحرام لغيره مثل الذي يليه لنفسه إلى قوله: لكان أعذر؛ لأن الكراء لو كان عليه حراما كثمن الخمر لكان الذي يتولاه لنفسه أشد من الذي يتولاه لغيره لا محالة، ولما لم يكن الكراء عليه حراما كثمن الخمر لم يسقط ابن دينار شهادته، وجعله من الذنوب التي لا تسقط الشهادة، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن مثل هذا ليس من شيم أهل العدالة لا سيما وقد قيل: إن الكراء عليه حرام لا يحل له كثمن الخمر، والأظهر أنه ليس هو عليه حرام كثمن الخمر، وإنما يؤمر بالصدقة به على سبيل التورع ويفعل ذلك الإمام به على سبيل الأدب له، ووجه قول ابن القاسم في المدنية والمبسوطة أنه لما كان هذا الفعل قد يمكن أن يظن الجاهل أنه سائغ له وأن الإثم فيه إنما هو على بائع الخمر في الحانوت لا عليه؛ لأنه أكرى منه ما يجوز له كراؤه من غير عذره بالجهل، وهو أعدل الأقوال وأولاها بالصواب، وأما الذي يبيع الخمر فلا اختلاف في أن شهادته لا تجوز، وكذلك في كتاب الرجم من المدونة أن الذي يعصر الخمر ويبيعها لا تجوز شهادته وإن كان لا يشربها، قال مالك في المجموعة وكتاب ابن المواز ولو باعها عصيرا لم ترد شهادته، وبالله التوفيق.