{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩] عزيمة، وأمر مأمورا به، موجب ليس فيه ترفيه لبعض ببعض.
قال محمد بن رشد: قول سحنون: إن شهادة التارك للجمعة بقرية يجمع فيه أهل الجمعة، لا ترد إلا أن يفعل ذلك ثلاثا متوالية أظهر مما ذهب إليه أصبغ، من أنها ترد بالمرة الواحدة، ومعنى ما ذهب إليه سحنون إنما هو إذا لم يعلم له في ذلك عذر، ولم يكن معروفا بالفضل والصلاح على ما قاله ابن القاسم؛ لأن من لم يعلم بالصلاح والفضل إذا ترك الجمعة ثلاثا متواليا لا يصدق فيما يدعيه من العذر، بخلاف من علم بالصلاح والفضل، فليس قول ابن القاسم وسحنون بمخالف؛ لقول ابن وهب، والله أعلم.
وإنما قلنا: إن قول سحنون أظهر من قول أصبغ من أجل أن المسلم لا يسلم من مواقعة الذنوب، فإذا ثبت هذا وجب ألا يجرح الشاهد العدل بما دون الكبائر من الذنوب التي يقال فيها: إنها صغائر، بإضافتها إلى الكبائر، إلا أن يكثر منها، فيعلم أنه متهاون بها، وغير متوق منها؛ لأن من كانت هذه صفته فهو خارج عن حد العدالة؛ ولما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر ولا علة؛ طبع الله على قلبه بطابع النفاق» دل على أن ما دون الثلاث بخلاف ذلك في عظم الإثم، وشرط الوعيد، فوجب أن يلحق ذلك بالصغائر، ولا ترد شهادة من ترك الجمعة مرة واحدة اشتغالا بما سواه من أمور دنياه حتى يفعل ذلك ثلاثا متواليات، فيتبين بذلك أنه متهاون بدينه