العقل، فالشهادة ماضية عليه بالحد، إذا صححوا الشهادة بما يثبت به الحد، وقول الشاهدين ليس ذلك بالذي يزيل ما ثبت من الحدود، وإن كان الرفع إلى الحاكم والرجل مجنون ذاهب العقل، فقد قال بعض أصحابنا: إنه يصرف عنه الحد؛ لأن الحد لله، وليس ذلك كحقوق الناس إذا رفع وبه الجنون.
قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يقام إلى الحاكم وهو صحيح، أو مجنون استحسان على غير قياس ولا أصل، والذي يأتي على الأصول أن يصرف عنه الحد، قاموا به إلى الحاكم، وهو صحيح أو مجنون؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وأي شبهة أقوى من أن يشهد له شاهدان عدلان أنه كان في وقت زناه مجنونا ذاهب العقل، وأما الحقوق، فالقياس فيها أن شهادة الصحة أعمل؛ لأنها أثبتت الحكم، وعلمت ما جهلته البينة الأخرى على ما في سماع أبي زيد في القوم، يشهدون أن المرأة أوصت في مرضها بكذا وكذا، وهي صحيحة العقل، ويقول آخرون: إنها كانت موسوسة، وما لأصبغ في سماعه من كتاب العتق، وقد قيل: إنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة بطلت الوصية؛ لأن تكافؤهما يوجب سقوطهما جميعا، وإذا سقطتا حصل الشك في صحة عقله في حين إشهاده، وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، من كتاب الوصايا، وفي سماع أصبغ من كتاب العتق في الذي يقول: إن مت من مرضي فغلامي فلان حر، وإن صححت منه فغلامي فلان حر لآخر، فشهد شاهدان له أنه صح من مرضه، وشهد آخران أنه لم يصح منه، معناه وتكافئوا في العدالة، أنه يعتق من كل واحد منهما نصفه؛ لأنه رأى الشك في صحته من مرضه حاصلا بتكافؤ البينتين، فأعتق من كل واحد منهما نصفه؛ إذ لا يدري من هو الذي وجب له العتق منهما، ويتخرج في المسألة قول ثالث: إن شهادة المرض أعمل؛ لأنهم قالوا: رأينا منه اختلاطا في ذمته حين أشهدنا. وقال الآخر: لم نر منه اختلاطا؛ فوجب أن تكون شهادة من أوجب الاختلاط أولى من شهادة من نفاه، وبالله التوفيق.