كتاب ولا وصية مكتوبة فيها هذه الوصايا، ولكن أتى هذا فشهد أن الميت أوصى لفلان بكذا وكذا، ثم قام المشهود له بالوصية، فشهد عند ذلك القاضي أن الميت أوصى لفلان الذي شهد له بالوصية بكذا وكذا، رأيت شهادتهما جائزة، شهادة كل واحد منهما لصاحبه لا تهمة على واحد منهما فيها؛ لأنهما لم يشهدا على كتاب تجتمع فيه الوصايا، فيتهمان بأن يثبتا وصاياهما ووصايا غيرهما، وإنما شهد كل واحد منهما منفردا بالشهادة لغيره ليس لنفسه فيها شيء، فأرى أن يحلف كل واحد منهما مع صاحبه الذي شهد له، ويستحق حقه ووصيته.
قال محمد بن رشد: أما إذا شهد كل واحد من الشاهدين لصاحبه أن الميت أوصى له بوصية لها قدر وبال، والوصية لهما بكتاب واحد، فما قاله من أن شهادتهما باطلة لا تجوز وتسقط لهما ولغيرهما هو المشهور في المذهب، وقد قيل: إن شهادتهما تجوز لغيرهما، وهو الذي يأتي على قياس قول أصبغ بعد هذا في هذه النوازل في العبدين، يشهدان بعد عتقهما أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار إن شهادتهما تجوز في المائة، ولا تجوز في غصب رقابهما؛ لأنهما يتهمان أن يريدا إرقاق أنفسهما، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة، في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب.
وأما إذا شهد كل واحد منهما لصاحبه أن الميت أوصى له بكذا وكذا بغير كتاب، أو كانت وصية كل واحد منهما في كتاب على حدة، ففي ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن شهادة كل واحد منهما لصاحبه جائزة، يحلف معه، ويستحق وصيته، وإن كانت شهادة كل واحد منهما لصاحبه في مجلس واحد، وهو ظاهر قول أصبغ هذا، وظاهر قول سحنون في نوازله. والثاني: أنها لا تجوز وإن كانت في مجالس شتى، وهو أحد قولي سحنون حكاه ابنه عنه. والثالث: الفرق بين أن تكون شهادتهما في