الغريم الحق حين شهد الأب، وظن أن ذلك يلزمه، أو دفع إلى الأجنبي حصته، وحكم عليه بذلك، فلما اقتسماه هو والابن، وبان به الأجنبي، طلب الغريم نقض ذلك، وتكلم في شهادة الأب، قال أصبغ: ذلك له، يرد ذلك الحكم؛ لأنه حكم خطأ وخلاف السنة وظلم؛ لأن شهادته لابنه كشهادته لنفسه، وشهادته للأجنبي كشهادته لابنه؛ لأن أمرهما واحد، لا يكون للأجنبي شيء إلا كان لابنه فيه نصيب، فهو مردود كله، وهذا إنما قلنا إذا سقط بعض الشهادة سقطت كلها، فإذا نقض، فإن كان مع الأب شاهد غيره حلف مع شهادته واستحقا، وإلا فلا، قلت: فإن كان الغريم دفع من غير قاض ولا سلطان حكم عليه، ولكنه دفع من قبل نفسه، وقال: ظننت أن شهادة الأب جائزة، إذا شهد لأجنبي مع ابنه فدفعت إليه، ولم أرد أن ألجئهم إلى السلطان، ثم أخبرت أن شهادة الأب لا تجوز، فأنا أريد الرجوع.
قال: ليس له رجوع، ولا كلام في هذا، وأراه بمنزلة الذي ينفق على المطلقة قبل أن يستبين بها حمل، أو يقول: ظننت أنه كان يلزمني، فليس له رجوع عليها إن انفش حملها، وقبل أن ينفش لما قد تقدم، وإنما له لما يستقبل، فأما إذا دفع ومضى، فليس له فيه رجوع، قلت: وكذلك إن شهد شاهد لرجل بحق على رجل، فدفع إليه بغير يمين، ثم أتى بعد ذلك يتعقبه بيمين وقال: لم أظن أن لي عليه يمينا، فأنا أريد أن أستحلفه أيكون ذلك له؟ فإن لم يحلف رد ما أخذ أو كيف؟ فقال لي: هذا أبعد وأبعد، لا يكون له قول ولا رجوع.
قال محمد بن رشد: إنما لم يكن له رجوع إذا دفع بشهادة الأب؛ لأنه حمل عليه أنه علم أن ذلك لا يلزمه، ولم يصدقه فيما ادعى من أن ظن أن ذلك يلزمه، وقد قيل: إنه يصدق في ذلك إذا كان ممن يشبه أن يجهل مثل هذا، وهذا الذي يأتي على ما في كتاب الصلح، في الذي يصالح عن