للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتلم بحكم من احتلم ثلاثة أقوال ترجع إلى قولين؛ أحدهما: أنه لا يحكم له بالبلوغ إذا لم يحتلم حتى يبلغ من السن ما لا يجاوزه أحد في الغالب، إلا احتلم وهو السبعة عشر عاما، أو الثمانية عشر عاما. والثاني: أنه يحكم له بالبلوغ إذا بلغ من السن سن من قد يحتلم من الناس، وإن لم يكن ذلك غالبا، فأول سن الاحتلام خمسة عشر عاما، وآخره سبعة عشر عاما، أو ثمانية عشر عاما، فيحكم له بالبلوغ عند ابن وهب ببلوغ أول سن الاحتلام، ولا يحكم له به عند ابن القاسم إلا ببلوغ آخره في جميع العبادات قياسا على الشهادات؛ لأنها من العبادات التي خاطب الله عباده بها حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] ، وقوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] ، وقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: ٢٨٣] ، وهو مصدق فيها إذا ادعى أنه لم يحتلم، كما يصدق في العبادات التي بينه وبين خالقه من الصلاة والصيام وما أشبه ذلك.

واختلف هل يصدق أنه لم يحتلم فيما يتعين عليه من الحقوق والحدود في بدنه، فقيل: إنه لا يصدق في ذلك، وقيل: إنه يصدق فيه، وإلى هذا يرجع عندي اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب إقامة الحد على من أنبت وإن لم يحتلم؛ لأن الإنبات يكون عند أول سن الاحتلام، فله حكمه، وقد قيل: إن اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب الحد على من أنبت، ولم يحتلم لا يرجع إلى التصديق في الاحتلام، وأنه على ظاهره في وجوب الحد بالإنبات، ولزوم جميع العبادات له، وإن أحد قولي مالك في وجوب الحد على من أنبت، وإن لم يحتلم يأتي على قياس قول ابن وهب في إجازة شهادة من بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم، وهو بعيد؛ لأن قول ابن وهب شذوذ، وحجته بالحديث ضعيفة، فقد قال ابن عبد الحكم وغيره في غير العتبية: إنه إنما أجازه؛ لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>